الدنيا وأعراضها من سفلتهم برياستهم في العلم فكتموه خوف فوتها عليهم وقوله تعالى:{فبئس ما يشترون} العائد محذوف تقديره يشترونه، قال قتادة رضي الله تعالى عنه:«هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم فمن علم شيئاً فليعلمه وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة» ، وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدّثتكم بشيء ثم تلا هذه الآية وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» وقال أبو الحسن بن عمارة رضي الله تعالى عنه: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألفيته على بابه فقلت: إن رأيت أن تحدّثني فقال: أما علمت أني قد تركت الحديث فقلت: إمّا أن تحدّثني وإمّا أن أحدّثك فقال: حدّثني فقلت: حدّثني الحكم بن عيينة عن يحيى بن الخراز قال: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يقول: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا قال: فحدّثني أربعين حديثاً.
{لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا} أي: فعلوا من إضلال الناس {ويحبون أن يحمدوا} بما أوتوا من علم التوراة و {بما لم يفعلوا} من التمسك بالحق وهم على ضلال وهذا أيضاً من جملة أذاهم، لأنهم يفرحون بما أتوا به من أنواع الخبث والتلبيس على ضعفة المسلمين ويحبون أن يحمدوا بأنهم أهل البرّ والصدق والتقوى ولا شك أنّ الإنسان يتأذى بمشاهدة مثل هذه الأحوال فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالصبر عليها.
روي أنه صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فكتموا الحق وأخبروه بخلافه، وأروه أنهم قد صدقوا وفرحوا بما فعلوا فأطلع الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك وسلاه بما أنزل من وعيدهم أي: لا تحسبن اليهود الذين يفرحون بما فعلوا من تدليسهم عليك ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من إخبارك بالصدق عما سألتهم عنه ناجين من العذاب وقيل: هم قوم تخلفوا عن الغزو ثم اعتذروا بأنهم رأوا المصلحة في التخلف واستحمدوا به، وقيل: هم المنافقون فإنهم يفرحون بمنافقتهم ويستحمدون إلى المسلمين بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة ويجوز أن يكون شاملاً لكل من يأتي بحسنة فيفرح بها فرح إعجاب ويحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بالديانة والزهد بما ليس فيه وقوله تعالى: {فلا تحسبنهم} تأكيد {بمفازة} أي: مكان ينجون فيه {من العذاب} في الآخرة بل هم في مكان يعذبون فيه وهو جهنم {ولهم عذاب أليم} أي: مؤلم فيها وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة وفتح السين ابن عامر وعاصم وحمزة والباقون بالكسر، ومفعولا تحسب الأولى دل عليهما مفعولا الثانية على قراءة التحتانية وعلى الفوقانية حذف الثاني فقط، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فلا يحسبنهم بالياء على الغيبة وضم الباء الموحدة والباقون بالتاء على الخطاب وفتح الباء الموحدة وفتح السين ابن عامر وعاصم وحمزة كما تقدّم.
{وملك السموات والأرض} فهو يملك أمرهما وما فيهما من خزائن المطر والرزق والنبات وغير ذلك {وا على كل شيء قدير} ومنه تعذيب الكافرين وإنجاء المؤمنين.
{إنّ في خلق السموات والأرض} وما فيهما من العجائب {واختلاف الليل والنهار} بالمجيء والذهاب والزيادة والنقصان {لآيات} أي: دلالات واضحة على قدرته تعالى: وباهر حكمته {لأولي الألباب}