أحد أن يرضى بما قسم له علماً بأنّ ما قسم له هو المصلحة ولو كان خلافه لكان مفسدة له ولا يحسد أخاه على حظه.
قال مجاهد: قالت أمّ سلمة: يا رسول الله إنّ الرجال يغزون ولا نغزو ولهم ضعف ما لنا من الميراث فلو كنا رجالاً غزونا وأخذنا من الميراث مثل ما أخذوا فنزلت هذه الآية، وقيل: لما جعل الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث قالت النساء: نحن أحوج إلى الزيادة من الرجال، فإنا ضعفاء وهم أقوياء وأقدر في طلب المعاش منا فنزلت.
وقال قتادة والسديّ: لما أنزل الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين قال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء في الآخرة فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كما فضلنا عليهنّ في الميراث فأنزل الله تعالى {للرجال نصيب} أي: ثواب {مما اكتسبوا} أي: بسبب ما عملوا من الجهاد {وللنساء نصيب ما اكتسبن} أي: من حفظ فروجهنّ وطاعة الله وطاعة أزواجهنّ، فالرجال والنساء في الأجر في الآخرة سواء، وذلك أنّ الحسنة تكون بعشر أمثالها يستوي في ذلك الرجال والنساء، وفضل الرجال على النساء إنما هو في الدنيا {واسألوا الله من فضله} أي: لا تتمنوا ما للناس واسألوا الله ما احتجتم إليه يعطكم من خزائنه التي لا تنفد، فنهى الله عن التمني لما فيه من دواعي الحسد والحسد، أن يتمنى الشخص زوال النعمة عن صاحبها سواء تمناها لنفسه أم لا، والغبطة أن يتمنى لنفسه مثل ما لصاحبه وهو جائز، قال صلى الله عليه وسلم «لا حسد ـ أي: لا غبطة ـ إلا في اثنتين» الحديث {إنّ الله كان بكلّ شيء عليماً} فهو يعلم ما يستحقه كل إنسان فيفضل عن علم وتبيان.
{ولكل} من الرجال والنساء {جعلنا موالي} أي: عصبة يعطون {مما ترك الوالدان والأقربون} لهم من المال فالوالدان والأقربون هم المورثون، وقيل: معناه ولكل جعلنا موالي أي: ورثة مما ترك أي: من الذين تركهم فتكون ما بمعنى من، ثم فسر الموالي فقال: الوالدان والأقربون أي: هم الوالدان والأقربون، فعلى هذا القول الوالدان هم الوارثون {والذين عاقدت أيمانكم} والمعاقدة المعاهدة والمحالفة، والأيمان جمع يمين بمعنى القسم أو اليد وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد، ومحالفتهم أنّ الرجل كان في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من مال الحليف وكان ذلك ثابتاً في ابتداء الإسلام، فذلك قوله تعالى:{فآتوهم نصيبهم}(النساء، ١٠٩)
أي: أعطوهم حظهم من الميراث، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:{وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} (الأنفال/ ٧٥.w
وسورة الأحزاب، ٦)
وقال مجاهد: أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والرفد ولا ميراث، وعلى هذا الآية غير منسوخة لقوله تعالى:{أوفوا بالعقود}(المائدة، ١)
وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم فتح مكة:«لا تحدثوا حلفاً في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به فإنه لم يزده الإسلام إلا شدّة» قال الزمخشريّ: وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يتعاقلا ويتوارثا صح عنده وورث بحق الموالاة خلافاً للشافعيّ رحمه الله تعالى اه.
وقرأ غير عاصم وحمزة والكسائي: عاقدت بألف بين العين والقاف، وأمّا هؤلاء الثلاثة فقرأوا:(عقدت) بغير ألف بمعنى عقدت عهودهم أيمانكم فحذف العهود وأقيم الضمير المضاف