واجعلوا ما كان بينهنّ كأن لم يكن، «فإنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له» ، رواه الطبرانيّ وابن ماجة وغيرهما {إنّ الله كان علياً كبيراً} فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتموهنّ فإنه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم.
{وإن خفتم} أي: علمتم {شقاق} أي: خلاف {بينهما} أي: بين المرء وزوجه وذكرهما بضميرهما وإن لم يجر ذكرهما لجري ما يدلّ عليهما وهو الرجال والنساء، وإضافة الشقاق إلى الظرف إمّا لإجرائه مجرى المفعول به كقوله: يا سارق الليلة أهل الدار، أو الفاعل كقولهم نهارك صائم {فابعثوا} أي: أيها الحكام متى اشتبه عليكم حالهما إليهما لكن برضاهما {حكماً من أهله} أي: أقاربه {وحكماً} آخر {من أهلها} أي: أقاربها لينظرا في أمرهما بعد اختلاء حكمه به وحكمها بها ومعرفة ما عندهما في ذلك ويصلحا بينهما، أو يفرّقا إن عسر الإصلاح على ما يأتي، فإنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح.
تنبيه: بعث الحكمين على سبيل الوجوب، وكونهما من الأقارب على سبيل الندب وهما وكيلان لهما فاشترط رضاهما لا حكمان من جهة الحاكم؛ لأنّ الحال يؤدّي إلى الفراق، والبضع حق الزوج، والمال حق الزوجة، وهما رشيدان فلا يولي عليهما في حقهما، فيوكل هو حكمه بطلاق أو خلع، وتوكل هي حكمها ببذل عوض وقبول طلاق، ويشترط فيهما إسلام وحرية وعدالة واهتداء إلى المقصود من بعثهما، له وإنما اشترط فيهما ذلك مع أنهما وكيلان لتعلق وكالتهما بنظر الحاكم كما في أمينه، ويسنّ كونهما ذكرين ولا يكفي حكم واحد {إن يريدا} أي: الحكمان {إصلاحاً يوفق الله بينهما} أي: الزوجين أي: إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله تعالى بورك في وساطتهما وأوقع الله بطيب أنفسهما وحسن سعيهما بين الزوجين الوفاق والإلفة، وألقى في نفوسهما المودّة والرحمة، وقيل: الضمير الأوّل للزوجين، والثاني للحكمين أي: إن يرد الزوجان إصلاحاً يوفق الله بين الحكمين اختلافهما حتى يعملا بالصلاح، وقيل: الضميران للحكمين أي: إن قصدا الإصلاح يوفق الله بينهما لتتفق كلمتهما ويحصل مقصودهما، وقيل: للزوجين أي: إن أرادا الإصلاح وزوال الشقاق: أوقع الله بينهما الإلفة والوفاق، وفيه تنبيه على أنّ من أصلح نيته فيما يتحرّاه أصلح الله تعالى مبتغاه، وإن لم يرضيا ببعثهما ولم يتفقا على شيء أدب الحاكم الظالم واستوفى للمظلوم حقه {إنّ الله كان عليماً} بكل شيء {خبيراً} بالبواطن كالظواهر، فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق قال تعالى:{لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألف بينهم}(الأنفال، ٦٣) .
{واعبدوا الله} أي: وحدوه وأطيعوه {ولا تشركوا به شيئاً} أي: شيئاً من الإشراك جلياً كان أو خفياً، وعن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هل تدري يا معاذ ما حق الله على الناس؟» قال: قلت الله ورسوله أعلم، قال:«حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، أتدري يا معاذ ما حق الناس على الله تعالى إذا فعلوا ذلك؟» قلت: الله ورسوله أعلم قال: «فإنّ حق الناس على الله أن لا يعذبهم» قال قلت: يا رسول الله ألا أبشر الناس؟ قال:«دعهم يعملون»{و} أحسنوا {بالوالدين إحساناً} أي: برّاً ولين جانب {وبذي القربى} أي: صاحب القرابة {واليتامى والمساكين} ويدخل في المساكين