لفرط طغيانه أو لتشبيهه بالشيطان، أو لأن التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث إنه الحامل عليه {وقد} أي: والحال إنهم قد {أمروا} ممن له الأمر في كل ما أنزل إليك من كتاب ما قبله {أن يكفروا به} أي: بالشيطان فمتى تحاكموا إليه كانوا مؤمنين كافرين بالله وهو معنى قوله: {ويريد الشيطان} أي: بإرادتهم ذلك التحاكم إليه {أن يضلهم} أي: المتحاكم إليه {ضلالاً بعيداً} أي: بحيث لا يمكنهم معه الرجوع إلى الهدى، ولما ذكر ضلالهم بالإرادة ورغبتهم في التحاكم إلى الطاغوت ذكر فعلهم فيه في نفرتهم عن التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
{وإذا قيل لهم} أي: من أي قائل كان، وقرأ هشام والكسائي بضم القاف والباقون بالكسر وتقدّم ذكر الإدغام لأبي عمرو {تعالوا} أي: أقبلوا رافعين أنفسكم من وهاد الجهل إلى شرف العلم {إلى ما أنزل الله} أي: الذي عنده كل شيء {وإلى الرسول} أي: الذي تجب طاعته لأجل مرسله مع إنه أكمل الرسل الذين هم أكمل الخلق رسالة {رأيت المنافقين يصدون} أي: يعرضون {عنك} إلى غيرك وأكد ذلك بقوله: {صدوداً} أي: هو أعلى طبقات الصدود.
{فكيف} يكون حالهم {إذا أصابتهم مصيبة} أي: عقوبة كقتل عمر رضي الله تعالى عنه المنافق {بما قدّمت أيديهم} أي: من التحاكم إلى غيرك وعدم الرضا بحكمك من الكفر بغير ذلك أي: أيقدرون على الإعراض والفرار منها؟ لا وتم الكلام ههنا، وقوله تعالى:{ثم جاؤك} أي: حين يصابون للاعتذار معطوف على يصدون وما بينهما اعتراض {يحلفون با إن} أي: ما {أردنا} أي: بالمحاكمة إلى غيرك {إلا إحساناً} أي: صلحاً {وتوفيقاً} أي: تأليفاً بين الخصمين ولم نرد مخالفتك، وقيل: جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا: ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه بالتقريب في الحكم دون الحمل على مرّ الحق.
{أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} أي: من النفاق والبغض للإسلام وأهله وإن اجتهدوا في إخفائه وكذبهم في حلفهم وعذرهم {فأعرض عنهم} أي: عن عتابهم بالصفح؛ لأنهم أقل من أن يحسب لهم حساب {و} لكن {عظهم} أي: خوّفهم الله القادر على استئصالهم {وقل لهم في أنفسهم} أي: في شأنها أو خالياً بهم فإن النصح في السر أنجع {قولاً بليغاً} أي: مؤثراً فيهم أي: ازجرهم ليرجعوا عن كفرهم، وقيل: هذا منسوخ بآية القتال.
ولما أمر الله تعالى بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذم من حاكم إلى غيره وهدده وختم تهديده بأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنه والوعظ له، فكان التقدير فما أرسلناك وغيرك من الرسل إلا للرفق بالأمّة والصفح عنهم والدعاء لهم على غاية الجهد والنصيحة عطف عليه قوله:
{وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع} أي: فيما يأمر به ويحكم؛ لأن منصبه الشريف يقتضي ذلك {بإذن الله} أي: بإرادته من أنه يطاع فلا يعصي ولا يخالف {ولو أنهم إذ} أي: حين {ظلموا أنفسهم} أي: بالتحاكم إلى الطاغوت أو غيره {جاؤك} أي: تائبين {فاستغفروا الله} بالتوبة والإخلاص {واستغفر} أي: شفع {لهم الرسول} أي: اعتذروا إليه حتى انتصب لهم شفيعاً، وإنما عدل عن الخطاب تفخيماً لشأنه {لوجدوا الله توّاباً} عليهم {رحيماً} بهم، وقرأ أبو عمرو بإدغام الراء في اللام بخلاف عنه.
{فلا وربك} أي: فوربك ولا مزيدة لتأكيد القسم {لا يؤمنون} أي: يوجدون هذا