فسقط الحائط عليه فقتله.
فإن قيل: لم قال خوّاناً أثيماً على المبالغة؟ أجيب: بأنّ الله تعالى كان عالماً من طعمة بالإفراط في الخيانة وركوب المأثم، ومن كانت تلك خلقة أمره لم يشك في حاله، وقيل: إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أنّ لها أخوات، وعن عمر رضي الله تعالى عنه إنه أمر بقطع يد سارق، فجاءت أمّه تبكي وتقول: هذه أوّل سرقة سرقها فاعف عنه فقال: كذبت إنّ الله لا يؤاخذ عبده في أوّل مرّة.
{يستخفون} أي: طعمة وقومه يستترون ويستحيون ويخافون {من الناس ولا يستخفون} أي: ولا يستحيون ولا يخافون {من الله} وهو أحق أن يستحيا ويخاف منه {وهو معهم} بعلمه لا يخفى عليه سرهم {إذ يبيتون} أي: يدبرون ليلاً على طريق الإمعان في الكفر والإتقان للرأي {ما لا يرضى من القول} أي: من رمي اليهودي بالسرقة وشهادة الزور عليه والحلف الكاذب على نفيها.
فإن قيل: لم سمى التدبير قولاً، وإنما هو معنى في النفس؟ أجيب: بأنه لما حدث بذلك نفسه سمي قولاً مجازاً. قال في الكشاف: ويجوز أن يراد بالقول الحلف الكاذب الذي حلف به بعد أن بيّنه {وكان الله بما يعملون محيطاً} أي: علماً وقدرة لا يفوت عنه شيء وقوله تعالى:
{ها أنتم هؤلاء} خطاب لقوم طعمة أي: يا هؤلاء {جادلتم} أي: خاصمتم {عنهم} أي: عن طعمة وذويه {في الحياة الدنيا} أي: بما جعل لكم من الأسباب {فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة} إذا عذبهم {أم من يكون عليهم وكيلاً} يتولى أمرهم ويذب عنهم أي: لا أحد يفعل ذلك.
فائدة: اتفق كتاب المصاحف على قطع (أم) عن (من)
{ومن يعمل سوءاً} أي: ذنباً يسوء به غيره كرمي طعمة اليهودي {أو يظلم نفسه} أي: يعمل ذنباً يختص به لا يتعدّاه، وقيل: المراد بالأوّل الصغيرة والثاني الكبيرة {ثم يستغفر الله} أي: يطلب من الله تعالى غفرانه بالتوبة بشروطها {يجد الله غفوراً} أي: محاء للزلات {رحيماً} أي: مبالغاً في إكرام من يقبل إليه كما في الحديث عن الله: «من تقرّب مني شبراً تقرّبت منه ذراعاً ومن تقرّب مني ذراعاً تقرّبت منه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» ، وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه إنّ هذه الآية نسخت من {يعمل سوأً يجز به} (النساء، ١٢٣) .
{ومن يكسب إثماً} أي: ذنباً {فإنما يكسبه على نفسه} أي: لأنّ وباله راجع عليه إذ الله له بالمرصاد فهو مجازية عليه فلا يتعدّاه وباله قال تعالى: {وإن أسأتم فلها} (الإسراء، ٧)
{وكان الله عليماً} بالغ العلم بدقيق ذلك وجليله فلا يترك شيئاً منه {حكيماً} في صنعه فلا يجازيه إلا بمقدار ذنبه.
{ومن يكسب خطيئة} أي: ذنباً صغيراً أو ما لا عمد فيه {أو إثماً} أي: كبيرة أو ما كان عن عمد {ثم يرم به بريئاً} أي: ينسبه إلى من لم يعمله كما فعل طعمة باليهودي {فقد احتمل} أي: تحمل {بهتاناً} أي: خطر كذب ببهت المرمي به {وإثماً} أي: ذنباً كبيراً {مبيناً} أي: بيناً يكسبه بسبب رمي البريء.
{ولولا فضل الله عليك} يا محمد {ورحمته} بالعصمة {لهمت طائفة منهم} أي: من قوم طعمة أي: هماً مؤثراً عندك {أن يضلوك} أي: عن القضاء بالحق مع علمهم بالحال بتلبيسهم عليك فلا ينافي ذلك أنهم قد هموا بذلك؛ لأنّ الهم المؤثر لم يوجد {وما يضلون إلا أنفسهم} إذ وبال ذلك عليهم {وما يضرونك من شيء} فإنّ الله عصمك وما خطر ببالك كان اعتماداً منك على ظاهر الأمر لا ميلاً في الحكم.
تنبيه: (من شيء) في موضع نصب على المصدر أي: شيئاً من الضر فمن مزيدة {وأنزل الله عليك