للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالنون {وكان الله غفوراً} لما يريد من الزلات {رحيماً} أي: لمن يريد إسعاده بالجنات، ونزل لما قال أحبار اليهود للنبيّ صلى الله عليه وسلم إن كنت نبياً فأتنا بكتاب جملة من السماء كما أتى به موسى.

{يسئلك} يا محمد {أهل الكتاب} أي: أحبار اليهود {أن تنزل عليهم كتاباً من السماء} جملة كما أنزل على موسى وقيل: كتاباً محرزاً أي: مجلداً مصوناً بخط سماوي على ألواح كما كانت التوراة، وقيل: كتاباً نعاينه حين ينزل أو كتاباً إلينا بأعياننا بأنك رسول الله قالوا ذلك تعنتاً، قال الحسن: لو سألوا لكي يتبينوا الحق لأعطاهم وفيما آتاهم كفاية. وقوله تعالى: {فقد سألوا} أي: آباؤهم {موسى} جواب شرط مقدّر معناه: إنك إن استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى {أكبر} أي: أعظم {من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة} أي: عياناً وإنما أسند السؤال إليهم وإن وجد من آبائهم في أيام موسى عليه الصلاة والسلام وهم النقباء السبعون؛ لأنهم كانوا على مذهبهم وراضين بسؤالهم ومضاهين لهم في التعنت {فأخذتهم الصاعقة} أي: عقب هذا السؤال، وهي نار جاءت من السماء فأهلكتهم {بظلمهم} أي: بسببه وهو تعنتهم وسؤالهم لما يستحيل في تلك الحال التي كانوا عليها وذلك لا يقتضي امتناع الرؤية مطلقاً {ثم} بعد العفو عنهم وإحيائهم من إماتة هذه الصاعقة {اتخذوا العجل} أي: تكلفوا أخذه وجعلوه إلهاً {من بعدما جاءتهم البينات} المعجزات على وحدانية الله تعالى، وليس المراد التوراة؛ لأنها لم تأتهم فيما مضى بل أتتهم بعد {فعفونا عن ذلك} أي: الذنب العظيم بتوبتنا عليهم من غير استئصالهم {وآتينا موسى سلطاناً} تسليطاً واستيلاءً {مبيناً} أي: ظاهراً، فإنه أمرهم بقتل أنفسهم توبة من عبادة العجل فبادروا إلى الامتثال.

{ورفعنا فوقهم الطور} أي: الجبل العظيم {بميثاقهم} أي: بسبب أخذ الميثاق عليهم ليخافوا فيقبلوه {وقلنا لهم} على لسان موسى صلى الله عليه وسلم والطور مظلل عليهم {ادخلوا الباب} أي: الذي لبيت المقدس {سجداً} أي: سجود انحناء {وقلنا لهم} أي: على لسان داود {لا تعدوا} أي: لا تتجاوزوا ما حددناه لكم {في السبت} أي: لا تعملوا فيه عملاً من الأعمال تسمية للشيء باسم سببه سمي عدواً؛ لأنّ العامل للشيء يكون لشدّة إقباله عليه كأنه يعدو، ويحتمل أن يكون ذلك على لسان موسى حين ظلل عليهم الجبل، فإنه شرع السبت أي: ترك العمل فيه ولكن كان الاعتداء في السبت، والمسخ به في زمن داود. وقرأ ورش بفتح العين مع تشديد الدال وقرأ قالون باختلاس حركة العين مع تشديد الدال، والباقون بسكون العين وتخفيف الدال، {وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً} على ذلك وهو قولهم سمعناه وأطعنا، ومعاهدتهم على أن يقيموا عليه، ثم نقضوه بعد، كما قال تعالى:

أي: فبنقضهم وما مزيدة للتوكيد، والباء للسببية متعلقة بمحذوف أي: لعناهم بسبب نقضهم {ميثاقهم وكفرهم بآيات الله} أي: القرآن أو بما في كتابهم {وقتلهم الأنبياء بغير حق} فإنهم معصومون من كل نقيصة ومبرؤن من كل ريبة لا يتوجه عليهم حق {وقولهم قلوبنا غلف} أي: أوعية للعلوم أو في أكنة مما تدعونا إليه فلا نعي كلامك {بل طبع الله} أي: ختم {عليها بكفرهم} فلا تعي وعظاً {فلا يؤمنون إلا قليلاً} منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه أو إيماناً قليلاً لا عبرة به بأن يؤمنوا وقتاً يسيراً

<<  <  ج: ص:  >  >>