للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{عن سبيل الله} أي: دين الإسلام بكتمهم دين محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود {قد ضلوا ضلالاً بعيداً} عن الحق؛ لأنهم جمعوا بين الضلال والإضلال، ولأنّ المضل يكون أعرق في الضلال وأبعد من الانقلاع عنه.

{إنّ الذين كفروا} بالله {وظلموا} نبيه بكتمان نعته {لم يكن الله ليغفر لهم} لكفرهم وظلمهم {ولا ليديهم طريقاً} من الطرق.

{إلا طريق جهنم} أي: الطريق المؤدي إليها {خالدين} أي: مقدرين الخلود {فيها} إذا دخلوها وأكد ذلك بقوله: {أبداً} لأنّ الله لا يغفر أن يشرك به {وكان ذلك على الله يسيراً} أي: هيّناً لا يصعب عليه ولا يستعظمه.

{يأيها الناس قد جاءكم الرسول} محمد صلى الله عليه وسلم {بالحق من ربكم} لما قرّر من أمر النبوّة وبين الطريق الموصل إلى العلم بها ووعيد من أنكرها خاطب الناس عامة بالدعوة وإلزام الحجة والوعد بالإجابة والوعيد على الرد {فآمنوا} بالله وقوله تعالى: {خيراً لكم} وكذلك قوله تعالى فيما يأتي {انتهوا خيراً لكم} (النساء، ١٧١)

منصوب بمضمر وذلك إنه لما بعثهم على الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث علم أنه يحملهم على أمر فقال خيراً لكم أي: اقصدوا أمراً خيراً لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث، وهو الإيمان والتوحيد، وقيل: تقديره يكن الإيمان خيراً لكم. قال البيضاوي: ومنعه البصريون؛ لأنّ كان لا يحذف مع اسمه إلا فيما لا بدّ منه، ولأنه يؤدي إلى حذف الشرط وجوابه اه.

{وإن تكفروا} بالله {فإنّ ما في السموات والأرض} ملكاً وخلقاً، فهو غني عنكم فلا يضره كفركم كما لا ينفعه إيمانكم، ونبّه على غناه بقوله تعالى: {ما في السموات والأرض} وهو يعم ما اشتملتا عليه وما تركبتا منه {وكان الله عليماً} بأحوالكم {حكيماً} أي: فيما دبره لهم.

{يا أهل الكتاب لا تغلوا} أي: تجاوزوا الحد {في دينكم} الخطاب للفريقين غلت اليهود في حط عيسى حتى رموه بالزنا، والنصارى في رفعه حتى اتخذوه إلهاً، وقيل: للنصارى خاصة، والمراد بالكتاب الإنجيل، فإنه أوفق لقوله تعالى: {ولا تقولوا على الله إلا} القول {الحق} أي: من تنزيهه عن الشريك والولد {إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها} أي: أوصلها {إلى مريم} وجعلها فيها {وروح} أي: ذو روح {منه} لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادّة له، وسمى عيسى كلمة الله وكلمة منه؛ لأنه وجد بكلمته وأمره لا غير من غير واسطة أب ولا نطفة، وقيل له: روح الله وروح منه؛ لأنه ذو روح وجسد من غير جزء من ذي روح كالنطفة المنفصلة من الأب الحيّ، وإنما اخترع اختراعاً من عند الله وقدرته بأن أمر جبريل، فنفخ في جيب درعها، فحملت به فأضيف إلى الله تعالى تشريفاً له، وليس كما زعمتم أنه ابن الله، أو إله معه، أو ثالث ثلاثة؛ لأنّ الروح مركب، والإله منزه عن التركيب وعن نسبة المركب إليه.

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» {فآمنوا با ورسله} أي: عيسى وغيره ولا تؤمنوا ببعض وتكفروا ببعض {ولا تقولوا} كما قالت النصارى: الآلهة {ثلاثة} الله وعيسى وأمه، قال تعالى: {انتهوا} عن ذلك وائتوا {خيراً لكم} من ذلك وهو التوحيد {إنما الله إله واحد} أي: لا تعدّد فيه بوجه مّا {سبحانه} تنزيهاً له {أن} أي: عن أن {يكون له ولد} أي: كما قلتم أيها النصارى، فإنّ ذلك يقتضي

<<  <  ج: ص:  >  >>