وموجبهما حدث أصغر أو أكبر، وإنّ المبيح للعدول إلى البدل مرض أو سفر، وإنّ الموعود عليه تطهير الذنوب وإتمام النعمة.
{واذكروا نعمة الله عليكم} أي: في هدايته لكم إلى الإسلام بعد أن كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، وفي غير ذلك من جميع النعم ليذكركم المنعم ويرغبكم في شكره، لأنّ كثرة النعم توجب على المنعم عليه الاشتغال بخدمة المنعم والانقياد لأوامره ونواهيه وقال تعالى:{نعمة الله} ولم يقل نعم الله؛ لأنّ هذا الجنس لا يقدر عليه إلا الله لأنّ نعمة الحياة والصحة والعقل والهداية والصون من الآفات وإيصال الخيرات في الدنيا والآخرة لا يعلمه إلا الله تعالى وإن المراد التأمل في هذا النوع من حيث إنه ممتاز عن نعمة غيره.
فإن قيل: قوله تعالى: {واذكروا نعمة الله} يشعر بسبق النسيان وكيف يعقل نسيانها مع أنها متواترة متوالية علينا في جميع الساعات والأوقات؟ أجيب: بأنها لكثرتها وتعاقبها صارت كالأمر المعتاد فصار غاية ظهورها وكثرتها سبباً لوقوعها في محل النسيان {و} اذكروا {ميثاقه} أي: عقده الوثيق {الذي واثقكم به} أي: بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بايعكم ليلة العقبة على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره والمنشط مفعل من النشاط وهو الأمر الذي ينشط له والمكره مفعل من الكره وهو الأمر الذي تكرهه النفس وأضاف الميثاق الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفسه كقوله: {إنّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} وأكد ذلك بأنكم التزمتموه {إذا} أي: حين {قلتم سمعنا وأطعنا} وفي ذلك تذكير بما أوجب الله له صلى الله عليه وسلم عليكم من الشكر بهدايته لكم إلى الإسلام ثم حذركم عن نقض تلك العهود بقوله: {واتقوا الله} أي: في ميثاقه أن تنقضوه {إنّ الله} الذي له صفات الكمال {عليم} أي: بالغ العلم {بذات الصدور} أي: بما في القلوب فبغيره أولى فيجازيكم عليها فضلاً عن جليات أعمالكم، وقيل: المراد بالميثاق هو الذي أخذه الله منهم حين أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى قاله مجاهد وقيل: المراد به الدلائل العقلية والشرعية التي نصبها الله على التوحيد والشرائع قاله السدي، وأدغم أبو عمرو القاف في واثقكم في الكاف بخلاف عنه.
{ياأيها الذين آمنوا كونوا قوّامين} أي: مجتهدين في القيام بحقوقه تعالى {شهداء} أي: متيقظين محضرين إفهامكم غاية الإحضار بحيث لا يشذّ عنها شيء مما تريدون الشهادة به {بالقسط} أي: العدل {ولا يجرمنكم} أي: ولا يحملنكم {شنآن} أي: شدّة بغض {قوم} أي: الكفار {على أن لا تعدلوا} فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفياً مما في قلوبكم {اعدلوا} أي: تحروا العدل واقصدوه في كل شيء {هو} أي: العدل {أقرب} من تركه {للتقوى} لكونه لطفاً فيه وفيه تنبيه عظيم على أنّ وجوب العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله إذا كان بهذه الصفة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه.
تنبيه: يؤخذ من هذا أن التكاليف مع كثرتها محصورة في نوعين: التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله فقوله تعالى: {كونوا قوّامين} إشارة إلى التعظيم لأمر الله ومعنى القيام هو أن تقوم لله بالحق في كل ما يلزمك وقوله تعالى: {شهداء بالقسط} إشارة إلى الشفقة على خلق الله وفيه قولان، الأوّل: قال عطاء: