رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي على يد عمرو بن أمية الضمري ليزوّجه أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قد
هاجرت إليه مع زوجها فمات زوجها فأرسل النجاشي إلى أمّ حبيبة جارية تخبرها بخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسرت بذلك وأذنت لخالد بن سعيد أن يزوّجها وكان الخاطب لرسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي فأنفذ إليها أربعمائة دينار، قالت أمّ حبيبة: فخرجنا إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فخرج من خرج إليه وأقمت بالمدينة حتى قدم ووافى جعفر بن أبي طالب وأصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلاً عليهم ثياب الصوف، منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشأم فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكوا وأسلموا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى.
قال تعالى:
{وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول} من القرآن {ترى أعينهم تفيض من الدمع} أي: جعلت أعينهم من فرط البكاء كأنهم تفيض بأنفسها {مما عرفوا من الحق} من الأولى للابتداء والثانية لتبيين ما عرفوا من الحق أو التبعيض فإنه بعض الحق والمعنى: إنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم فكيف إذا عرفوا كله، وقال ابن عباس: يريد النجاشي وأصحابه رضي الله تعالى عنهم بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه فقرىء عليهم ثم دعا بجعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه وأحضر الرهبان والقسيسين وأمر جعفراً أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ عليهم كهيعص فما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر من القراءة قالوا: آمنا كما قال تعالى: {يقولون ربنا آمنا} أي: صدقنا نبيك وكتابك {فاكتبنا مع الشاهدين} أي: أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يشهدون على الأمم يوم القيامة دليله قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}(البقرة، ١٤٣) وإذا نظرت مكاتبات النبيّ صلى الله عليه وسلم ازددت بصيرة في صدق هذه الآية فإنه ما كاتب نصرانياً إلا آمن أو كان ليناً ولو لم يسلم كهرقل والمقوقس وهودة بن علي وغيرهم وغايتهم أنهم ضنوا بملكهم وأما غير النصارى فإنهم كانوا على غاية في الفظاظة ككسرى فإنه مزق كتابه صلى الله عليه وسلم ولم يجز رسوله بشيء قال البقاعي: السرّ في ذلك أنه لما كان عيسى عليه الصلاة والسلام أقرب الأنبياء زمناً من زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان المنتمون إليه ولو كانوا كفرة أقرب الأمم مودّة لاتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم
وقالوا في جواب من عيّرهم بالإسلام من اليهود.
{وما لنا لا نؤمن با وما جاءنا من الحق} وهو القرآن لا مانع لنا من الإيمان مع وجود مقتضيه وقوله تعالى: {ونطمع} معطوف على نؤمن {أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين} أي: المؤمنين الجنة.
{فأثابهم الله بما قالوا} أي: جعل ثوابهم على هذا القول المسند إلى خلوص النية الناشىء عن حسن الطوية {جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك} أي: الجزاء العظيم {جزاء المحسنين} أي: بالإيمان.
{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} أي: الذين لا ينفكون عنها لا غيرهم من عصاة المؤمنين وإن كثرت كبائرهم وعطف التكذيب بآيات الله على الكفر وهو ضرب منه لأنّ القصد إلى بيان حال المكذبين وذكرهم في معرض المصدّيقين بها جمعاً بين الترغيب والترهيب.