سوى براءة مع المبالغة في تجريد القرآن عن الأعشار وتراجم السور والتعوّذ حتى لم تكتب آمين فلو لم تكن قرآناً لما أجازوا ذلك لأنه يحمل على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآناً وأيضاً هي آية من القرآن في سورة النمل قطعاً، ثم إنا نراها مكرّرة بخط القرآن فوجب أن تكون منه كما أنّا لما رأينا قوله:{فبأيّ آلاء ربكما تكذبان}(الرحمن، الآيات: ١٣ ـ ١٦ ـ ١٨) وقوله: {ويل يومئذ للمكذبين}(المرسلات، ٢٧)(المطففين، ١٠) مكرّراً في القرآن بخط واحد وبصورة واحدة، قلنا: إن الكل من القرآن.
فإن قيل: لعلها ثبتت للفصل، أجيب: بأنه يلزم عليه اعتقاد ما ليس بقرآن قرآناً ولثبتت في أوّل براءة ولم تثبت في أوّل الفاتحة.
فإن قيل: القرآن إنما يثبت بالتواتر، أجيب: بأنّ محله فيما ثبت قرآناً قطعاً أمّا ما يثبت قرآناً حكماً فيكفي فيه الظنّ كما يكفي في كل ظنّي خلافاً للقاضي أبي بكر الباقلاني، وأيضاً إثباتها في المصحف بخطه من غير نكير في معنى التواتر، وأيضاً قد يثبت التواتر عند قوم دون آخرين.
فإن قلت: لو كانت قرآناً لكفر جاحدها، أجيب: بأنها لو لم تكن قرآناً لكفر مثبتها وأيضاً التكفير لا يكون بالظنيات وقد أوضحت ذلك مع زيادة في شرحي «التنبيه» و «المنهاج» ، أما براءة فليست البسملة آية منها بإجماع.
فائدة: ما أثبت في المصحف الآن من أسماء السور والأعشار شيء ابتدعه الحجاج في زمنه.
والباء في بسم الله متعلقة بمحذوف تقديره بسم الله أقرأ لأنّ الذي يتلوه مقروء إذ كل فاعل يبدأ في فعله باسم الله يضمر ما يجعل التسمية مبدأ له كما أنّ المسافر إذا حل أو ارتحل فقال: بسم الله الرحمن الرحيم كان المعنى بسم الله أحل بسم الله أرتحل وذلك أولى من أن يضمر أبدأ لعدم ما يطابقه، وما يدل عليه ومن أن يضمر ابتدائي لما ذكرنا.
فإن قيل: المصدر لا يعمل محذوفاً، أجيب: بأنه يتوسع في الظرف والجار والمجرور ما لا يتوسع في غيرهما وتقديره مؤخراً كما قال الإمام الرازي أولى كما في {إياك نعبد وإياك نستعين} لأنه أهمّ وأدلّ على الاختصاص وأدخل في التعظيم وأوفق للوجود فإنّ اسمه تعالى مقدّم ذاتاً لأنه قديم واجب الوجود لذاته فقدم ذكراً.
فإن قيل: قال الله تعالى: {اقرأ بسم ربك}(العلق، ١) فقدم الفعل، أجيب: بأنه في مقام ابتداء القراءة وتعليمها لأنها أوّل سورة نزلت فكان الأمر بالقراءة أهمّ باعتبار هذا العارض وإن كان ذكر الله تعالى أهمّ في نفسه، وذكرت أجوبة غير ذلك في مقدمتي على البسملة والحمدلة، والباء للاستعانة أو للمصاحبة والملابسة على جهة التبرّك، والمعنى متبرّكاً بسم الله اقرأ، والثاني أولى لما فيه من التحاشي عن جعل اسمه تعالى آلة، والأحسن أن تكون لهما إعمالاً للفظ في معنييه الحقيقيين أو الحقيقيّ والمجازي عند من يجوّزه كإمامنا الشافعيّ، والبسملة وما بعدها إلى آخر السورة مقول على ألسنة العباد ليعلموا كيف يتبرّك باسمه ويحمد على نعمه ويسئل من فضله ويقدر في أوّل الفاتحة قولوا كما قال الجلال المحلى، ليكون ما قبل إياك نعبد مناسباً له بكونه من مقول العباد.
فإن قيل: من حق حروف المعاني التي جاءت على حرف واحد أن تبنى على الفتحة التي هي أخت السكون نحو واو العطف وفائه، أجيب: بأنها إنما كسرت للزومها الحرفية والجرّ ولتشابه حركتها عملها وحذفت الألف من بسم خطاً كما حذفت لفظاً دون باسم ربك وإن كان وضع الخط على حكم الابتداء دون الدرج لكثرة الاستعمال، وقالوا: طوّلت الباء تعويضاً من طرح الألف