للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واتخذ الله ولداً {أو كذب بآياته} الآتي بها الرسل كالقرآن وغيره من المعجزات {إنه} أي: الشأن {لا يفلح الظالمون} أي: لا ينجح القائلون على الله الكذب والمفترون عليه الباطل.

{و} اذكر {يوم نحشرهم جميعاً} أي: أهل الكتاب والمشركين وغيرهم ومعبوداتهم وهو يوم القيامة {ثم نقول} توبيخاً {للذين أشركوا} أي: سموا شيئاً من دوننا إلهاً وعبدوه من الأصنام أو عزيراً أو المسيح أو الظلمة أو النور أو غير ذلك {أين شركاؤكم} أي: آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله تعالى: وأضافها إلى ضميرهم لتسميتهم لها بذلك وقوله تعالى: {الذين كنتم تزعمون} معناه كنتم تزعمونهم شركاء وإنها تشفع لكم عند الله فحذف المفعولان.

{ثم لم تكن فتنتهم} أي: معذرتهم {إلا أن قالوا} أي: قولهم {وا ربنا ما كنا مشركين} فيختم على أفواههم وتشهد جوارحهم عليهم بالشرك، وقرأ حمزة والكسائيّ يكن بالياء على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص فتنتهم بضمّ التاء والباقون بالنصب، وقرأ حمزة والكسائيّ ربنا بنصب الباء على النداء أو المدح والباقون بالكسر.

قال الله تعالى:

{انظر} يا محمد {كيف كذبوا على أنفسهم} باعتذارهم الباطل وتبريهم من الأصنام والشرك الذي كانوا عليه واستعمالهم الكذب مثل ما كانوا عليه في دار الدنيا وذلك لا ينفعهم {وضلّ} أي: غاب {عنهم ما كانوا يفترون} أي: يكذبون وهو قولهم: إنّ الأصنام تشفع لهم وتنصرهم فبطل ذلك كله في ذلك اليوم.

فإن قيل: كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور وعلى أنّ الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟ أجيب: بأنّ الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشة إلا تراهم يقولون: {ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} وقد أيقنوا الخلود ولم يشكوا فيه وقالوا: {ليقض علينا ربك} (الزحرف، ٧٧) وقد علموا أنه لا يقضي عليهم.

{ومنهم من يستمع إليك} حين تتلو القرآن.

روي أنه اجتمع أبو سفيان والوليد والنضر وعتبة وشيبة وأبو جهل وأضرابهم يستمعون القرآن فقالوا للنضر: ما يقول محمد؟ فقال: والذي جعلها بيته ـ يعني الكعبة ـ ما أدري ما يقول إلا أنه يحرّك لسانه فيقول أساطير الأوّلين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الماضية وأخبارها فقال أبو سفيان: إني لأرى بعض ما يقول حقاً فقال أبو جهل: كلا لا تقرّ بشيء من هذا فأنزل الله تعالى {ومنهم من يستمع إليك} {وجعلنا على قلوبهم أكنة} أي: أغطية {أن} أي: كراهة أن {يفقهوه} أي: يفهموا القرآن {و} جعلنا {في آذانهم وقراً} أي: صمماً فلا يسمعونه سماع قبول ووجه إسناد الفعل إلى ذاته تعالى وهو قوله تعالى: {وجعلنا} للدلالة على أنه أمر ثابت فيهم لا يزول عنهم كأنهم مجبولون عليه أو هي حكاية لما كانوا ينطقون به من قولهم: {وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب} (فصلت، ٥) {وإن يروا كل آية} أي: معجزة من المعجزات الدالة على صدقك {لا يؤمنوا بها} لفرط عنادهم واستحكام التقليد فيهم {حتى إذا جاؤوك يجادلونك} أي: بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم جاؤوك يجادلونك ويناكرونك وحتى هي التي تقع بعدها الجمل لا عمل لها والجملة إذا وجوابها وهو {يقول الذين كفروا إن} أي: ما {هذا إلا أساطير} أي: أكاذيب {الأوّلين} أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>