*خذي العفو مني تستديمي مودّتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب*
وقال عكرمة: لما نزلت هذه الآية: قال عليه الصلاة والسلام: يا جبريل ما هذا؟ قال: لا أدري حتى أسأل، ثم رجع فقال:«إنّ الله تعالى يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك»{وأمر بالعرف} أي: بالمعروف قال عطاء: بلا إله إلا الله {وأعرض عن الجاهلين} أي: فلا تقابلهم بالسفه، وذلك مثل قوله تعالى:{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}(الفرقان، ٦٣)
وذلك سلام المتاركة، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا سخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح» ، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله بعثني بمكارم الأخلاق وتمام محاسن الأفعال» .
قال أبو زيد لما نزل قوله تعالى:{وأعرض عن الجاهلين} قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «كيف يا رب والغضب» فنزل {وإما} فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة {ينزغنك من الشيطان نزغ} أي: وسوسة وقوله تعالى: {فاستعذ} أي: فاستنجد {با} جواب الشرط وجواب الأمر محذوف أي: يدفعه عنك.
تنبيه: احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء بهذه الآية، وقالوا: لولا أنه يجوز من النبي الإقدام على المعصية والذنب لم يحتج إلى الاستعاذة، وأجيب عن ذلك بأجوبة: الأول إنّ معنى هذا الكلام إن حصل في قلبك نزغ فاستعذ بالله كما أنه تعالى قال: {لئن أشركت ليحبطن عملك}(الزمر، ٦٥)
ولم يدل ذلك على أنه أشرك الثاني على تقدير أنه لو حصل وسوسة من الشيطان لكن الله تعالى قد عصم قلب نبيه صلى الله عليه وسلم من قبولها وثباتها في قلبه وإنما القادح لو قبل صلى الله عليه وسلم وسوسة والآية لا تدل على ذلك.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال:«ما من إنسان إلا ومعه شيطان» وفي رواية: «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة» قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال:«وإياي إلا أنّ الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» وفي رواية: «لكنه أسلم بعون الله فلقد أتاني فأخذت بحلقه ولولا دعوة سليمان لأصبح في المسجد طريحاً» قال النووي: يروى بفتح الميم وضمها فمن ضمها معناه فأسلم أنا من شره وفتنته ومن فتحها قال معناه: إنّ القرين أسلم أي: صار مسلماً فلا يأمرني إلا بخير الثالث: أنّ الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره أي: وإما ينزغنك أيها الإنسان من الشيطان نزغ فاستعذ بالله كقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ با}(النحل، ٩٨)
{إنه سميع} للقول {عليم} بالفعل، وفي الآية دليل على أنّ الاستعاذة باللسان لا تفيد إلا إذا حضر في القلب العلم بمعنى الاستعاذة فكأنه تعالى قال: اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك فإني سميع واستحضر معنى الاستعاذة بعقلك وقلبك فإني عليم بما في ضميرك وفي الحقيقة القول اللساني بدون المعارف القلبية عديم الفائدة والأثر {إنّ الذين اتقوا إذا مسهم} أي: أصابهم {طيف} أي: شيء ألمّ بهم {من الشيطان تذكروا} عقاب الله وثوابه {فإذا هم مبصرون} الحق من غيره، فيرجعون.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بياء ساكنة بعد الطاء والباقون بألف بعد الطاء بعدها همزة