إليهم عهدهم إلى مدّتهم} أي: إلى انقضائها، ولا تجروهم مجرى الناكثين. وقوله تعالى:{إنّ الله يحب المتقين} تعليل وتنبيه على أن إتمام عهدهم من باب التقوى.
{فإذا انسلخ} أي: انقضى وخرج {الأشهر الحرم} التي حرم الله تعالى عليهم فيها قتالهم، وضربت أجلاً لسياحتهم والتعريف مثله في {فأرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول}(المزمل، ١٦)
والمراد بكونها حرماً أنّ الله تعالى حرم القتل والقتال فيها. وقيل: هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرّم، قال البيضاويّ: وهذا يخل بالنظم أي: نظم الآية إذ نظمها يقتضي توالي الأشهر المذكورة. {فاقتلوا المشركين} أي: الناكثين الذين ضربتم لهم هذا الأجل إحساناً وكرماً {حيث وجدتموهم} أي: في حل أو حرم أو في شهر حرام أو غيره. {وخذوهم} أي: بالأسر {واحصروهم} أي: بالحبس عن إتيان المسجد الحرام والتصرّف في بلاد الإسلام في القلاع والحصون حتى يضطروا إلى الإسلام أو القتل {واقعدوا لهم} أي: لأجلهم خاصة، فإن ذلك من أفضل العبادات {كل مرصد} أي: طريق يسلكونه لئلا ينبسطوا في البلاد. وانتصاب كل على الظرفية كقوله:{لأقعدن لهم صراطك المستقيم}(الأعراف، ١٦)
وقيل: بنزع الخافض، قال الحسن بن الفضل: نسخت هذه الآية كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على أذى الأعداء. {فإن تابوا} أي: عن الكفر بالإيمان {وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة} تصديقاً لتوبتهم وإيمانهم، فوصلوا ما بينهم وبين الخالق وما بينهم وبين الخلائق. {فخلوا سبيلهم} أي: فدعوهم ولا تتعرّضوا لهم بشيء من ذلك، وفي هذه الآية دليل على أن تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله؛ لأنه إن كان جاحداً لوجوبهما فهو مرتدّ وإلا قتل بترك الصلاة وأخذت منه الزكاة قهراً وقوتل على ذلك كما نقل عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لما توفي النبيّ صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر كفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر رضي الله تعالى عنهما: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها وحسابه على الله» فقال أبو بكر: والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدّونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية: عقالاً كانوا يؤدّونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها، قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أنّ الله شرح صدر أبي بكر إلى القتال، فعرفت أنه الحق. {إنّ الله غفور} أي: بليغ المحو للذنوب التي تاب صاحبها عنها {رحيم} به.
{وإن أحد من المشركين} أي: الذين أمرت بقتالهم {استجارك} أي: طلب أن تعامله في الإكرام معاملة الجار بعد انقضاء مدّة السياحة {فأجره} أي: فأمنه ودافع عنه من يقصده بسوء. {حتى يسمع كلام الله} أي: القرآن بسماع التلاوة الدالة عليه فيعلم بذلك ما يدعى إليه من المحاسن ويتحقق أنه ليس من كلام الخلق {ثم} إن أراد الانصراف ولم يسلم {أبلغه مأمنه} أي: الموضع الذي يأمن فيه وهو دار قومه لينظر في أمره، ثم بعد ذلك يجوز لك قتلهم وقتالهم من غير غدر ولا خيانة. قال الحسن: هذه الآية محكمة إلى يوم القيامة.
تنبيه: أحد: مرفوع بفعل مضمر يفسره الظاهر وتقديره: وإن استجارك أحد، ولا يجوز أن