عليهم بالهلاك فإنّ من قاتله الله تعالى هلك أو تعجب من شناعة قولهم كما يقال لمن فعل فعلاً يتعجب منه قاتله الله ما أعجب فعله وقيل: لعنهم الله.
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كل شيء في القرآن مثله فهو لعن {أنى يؤفكون} أي: كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل مع قيام الدليل بأنّ الله تعالى واحد أحد فجعلوا له ولداً تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً وهذا التعجب راجع إلى الخلق لأنّ الله تعالى لا يتعجب من شيء ولكن هذا الخطاب على عادة العرب في مخاطباتهم فالله تعالى عجب نبيه صلى الله عليه وسلم من تركهم الحق وإصرارهم على الباطل.
{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم} أي: اتخذ اليهود أحبارهم أي: علماءهم والحبر في الأصل العالم من أي طائفة كان واختص في العرف بعلماء اليهود من ولد هرون وكان أبو الهيثم يقول: واحد الأحبار حبر بالفتح وينكر الكسر، واتخذ النصارى رهبانهم أي: عبادهم أصحاب الصوامع، والراهب في الأصل من تمكنت الرهبة من قلبه فظهر آثارها على وجهه ولباسه واختص في العرف بعلماء النصارى أصحاب الصوامع {أرباباً من دون الله} لأنهم أطاعوهم في تحريم ما أحلّ الله تعالى وتحليل ما حرّم الله تعالى كما تطاع الأرباب في أوامرهم ونحوه تسمية أتباع الشيطان فيما يوسوس به عباده كما قال تعالى: {بل كانوا يعبدون الجنّ}(سبأ، ٤١)
وقال إبراهيم الخليل عليه السلام:{يا أبت لا تعبد الشيطان} ، وعن عدي بن حاتم أنه قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال: «يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك» فطرحته ثم انتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فوصل إلى هذه الآية فقلت: إنا لسنا نعبدهم فقال: أليس يحرمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ويحلون ما حرّمه فتحلونه، قلت: بلى، قال: تلك عبادتهم» قال عبد اللهبن المبارك:
*وهل بدّل الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها*
فإن قيل: إنه تعالى كفرهم بسبب أن أطاعوا الأحبار والرهبان فالقاسق يطيع الشيطان فوجب الحكم بكفره على ما هو قول الخوارج. أجيب: بأنّ الفاسق وإن كان يقبل دعوى الشيطان إلا أنه لا يعظمه بل يلعنه ويستخف به وأمّا هؤلاء فكانوا يقبلون قول الأحبار والرهبان ويعظمونهم وقد يبالغ بعض الجهال في تعظيم شيخه بحيث يميل طبعه إلى القول بالحلول والاتحاد وذلك الشيخ إذا كان طالباً للدنيا بعيداً عن الآخر بعيداً عن الدين قد يلقي إليهم أنّ الأمر كما يقولون ويعتقدون، وعن الفضيل رضي الله تعالى عنه ما أبالي أطعت مخلوفاً في معصية الخالق أو صليت لغير القبلة {والمسيح بن مريم} أي: اتخذوه كذلك لكونهم جعلوه ابناً فأهلوه للعبادة بذلك مع كونه ابن مريم فهو لا يصلح للإلهية بوجه لمشاركته للآدميين في الحمل والولادة والأكل والشرب وغير ذلك من أحوال البشر الموجبة للحاجة المنافية للإلهية {وما أمروا} أي: في التوراة والإنجيل {إلا ليعبدوا} أي: ليطيعوا على وجه التعبد {إلهاً واحداً} أي: لا يقبل القسمة بوجه لا بالذات ولا بالمماثلة وهو الله تعالى وأما طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمر الله بطاعته فهي في الحقيقة طاعة الله تعالى وقوله تعالى: {لا إله إلا هو} صفة ثانية أو استئناف مقرّر للتوحيد {سبحانه عما يشركون} أي: تعالى وتنزه عن أن يكون له