للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيهم كيف شاء، وقيل: هو الشيطان وذلك بإقدار الله تعالى إياه على ذلك، وإلا فهو أخس وأحقر.

{ولقد أهلكنا القرون} أي: الأمم الماضية. {من قبلكم} يا أهل مكة. {لما ظلموا} أي: حين أشركوا، وقوله تعالى: {وجاءتهم رسلهم بالبينات} أي: بالحجج الدالة على صدقهم، حال من الواو وبإضمار قد أو عطف على ظلموا. {وما} أي: والحال أنهم ما {كانوا ليؤمنوا} أي: وما استقام لهم أن يؤمنوا، ولو جاءتهم كل آية لعلمه تعالى بأنهم يموتون على كفرهم، واللام لتأكيد النفي. {كذلك} أي: مثل ذلك الجزاء العظيم وهو إهلاكهم لما كذبوا رسلهم {نجزي القوم المجرمين} أي: نجزيكم يا أهل مكة بتكذيبكم محمداً صلى الله عليه وسلم فوضع المظهر موضع المضمر للدّلالة على كمال جرمهم، وأنهم أعلام فيه.

{ثم جعلناكم} أي: أيها المرسل إليهم أشرف رسلنا {خلائف} جمع خليفة {في الأرض من بعدهم} أي: استخلفناكم فيها بعد القرون التي أهلكناها استخلاف من يختبر {لننظر} ونحن أعلم بكم من أنفسكم في علم الشهادة لإقامة الحجة. {كيف تعملون} من خير أو شر فنجازيكم به، وقد مرّ نظائر هذا، ومنه قوله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} (هود: ٧)

. وقال صلى الله عليه وسلم «إنّ الدنيا خضرة حلوة، وإنّ الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون» . وقال قتادة: صدق الله ربنا ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا، فأروا الله من أعمالكم خيراً بالليل والنهار. قال الزجاج: وموضع كيف نصب بقوله تعملون، أي: لا معمول ننظر؛ لأنها حرف استفهام، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله؛ لأنّ له صدر الكلام فلا يتقدمه عامله، وظاهر كلامه أنّ كيف مفعول لتعملون، وجمهور النحاة على أنه حال من ضمير تعملون.

{وإذا تتلى عليهم} أي: وإذا قرئ على هؤلاء المشركين. {آياتنا} أي: القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد حالة كون تلك الآيات {بينات} أي: ظاهرات تدل على وحدانيتنا وصحة نبوّتك. {قال الذين لا يرجون لقاءنا} أي: لا يخافون عذابنا، ولا يرجون ثوابنا؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث بعد الموت، وكل من كان منكراً للبعث بعد الموت؛ فإنه لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً. {ائت} أي: من عندك {بقرآن} أي: كلام مجموع جامع لما نريد. {غير هذا} في نظمه ومعناه. {أو بدله} بألفاظ أخرى، والمعاني باقية، وقد كانوا عالمين بأنه صلى الله عليه وسلم مثلهم في العجز عن ذلك، ولكنهم قصدوا أن يأخذ في التغيير حرصاً على إجابة مطلوبهم، فيبطل مدعاه أو يهلك، واختلف في هذا القائل.

فقال قتادة: هم مشركو أهل مكة. وقال مقاتل: هم خسمة نفر: عبد الله بن أمية الجمحي، والوليد بن المغيرة، ومكدر بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، والعاصي بن عامر بن هشام، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت تريد أن نؤمن بك فأت بقرآن ليس فيه ترك لعبادة اللات والعزى ومناة، وليس فيه عيبها، وإن لم ينزله الله فقل أنت من عند نفسك أو بدله، فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة، أو مكان حرام حلالاً، أو مكان حلالاً حراماً، ولما كان كأنه قيل فماذا أقول لهم؟ قال الله تعالى: {قل} لهم {ما يكون} أي: ما يصح {لي} ولا يتصوّر بوجه من الوجوه {أن أبدله من تلقاء} أي: قبل {نفسي} وإنما اكتفى بالجواب عن التبديل لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن آخر، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء والباقون بالسكون {إن} أي: ما {أتبع إلا ما يوحى إليّ} فيما

<<  <  ج: ص:  >  >>