جاهلين بالجواب الحق في ذلك أو معاندين أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب بقوله تعالى:{قل الله} أي: الذي له الإحاطة الكاملة {يهدي للحق} من يشاء لا أحداً ممن زعمتموه شركاء، فالاشتغال بشيء منها بعبادة أو غيرها جهل محض. قال الزجاج: يقال هديت إلى الحق، وهديت للحق بمعنى واحد. فالله تعالى ذكر هاتين اللغتين في قوله تعالى:{من يهدي إلى الحق} وفي قوله تعالى: {قل الله يهدي للحق} وقوله تعالى: {أفمن يهدي إلى الحق} أي: وهو الله تعالى {أحق أن يتبع أمّن لا يهدي} أي: يهتدي {إلا أن يهدى} أحق أن يتبع استفهام تقرير وتوبيخ، أي: الأوّل أحق {فما لكم كيف تحكمون} هذا الحكم الفاسد من اتباع من لا يستحق الاتباع، وقوله تعالى:
{وما يتبع أكثرهم} في تفسيره وجهان الأوّل: وما يتبع أكثرهم في إقرارهم بالله تعالى. {إلا ظناً} لأنه قول غير مستند إلى برهان عندهم بل سمعوه من أسلافهم. الثاني: وما يتبع أكثرهم إلا ظناً في قولهم للأصنام آلهة، وإنها شفعاء عند الله تعالى إلا الظنّ، حيث قلدوا فيه آباءهم. قال الرازي: والقول الأول أقوى لأنا في القول الثاني نحتاج إلى تفسير الأكثر بالكل {إنَّ الظنّ لا يغني من الحق} فيما المطلوب فيه العلم {شيئاً} من الإغناء، فدلت هذه الآية على أنَّ كل من كان ظاناً في مسائل الأصول، وما كان قاطعاً لا يكون مؤمناً. فإن قيل: فقول أهل السنة: أنا مؤمن إن شاء الله يمنع من القطع فوجب أن يلزمهم الكفر أجاب الرزاي: بأنَّ هذا ضعيف من وجوه: الأوّل: أنَّ مذهب الشافعيّ رضي الله تعالى عنه أنَّ الإيمان عبارة عن مجموع الاعتقاد والإقرار والعمل، فالشك حاصل في أنّ هذه الأعمال هل هي موافقة لأمر الله تعالى والشك في أحد أجزاء الماهية لا يوجب الشك في تمام الماهية. الثاني: أنّ الغرض من قوله إن شاء الله تعالى بقاء الإيمان عند الخاتمة.
الثالث: الغرض هضم النفس وكسرها. {إنَّ الله عليم} أي: بالغ العلم {بما يفعلون} أي: من اتباعهم الظنّ، وتكذيبهم الحق اليقين، فيجازيهم عليه. وقوله تعالى:
{وما كان} عطف على قوله: {ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي} إلخ فهو حينئذٍ مقول القول، أي: قل لهم ذلك الكلام. {هذا القرآن} أي: الجامع لكل خير مع التأدية بأساليب الحكمة المعجزة لجميع الخلق {أن يفترى} أي: افتراء {من دون الله} أي: غيره؛ لأنّ المفترى هو الذي تأتي به البشر، وكفار مكة زعموا أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم أتى بهذا من عند نفسه، فأخبر الله تعالى أنّ هذا القرآن وحي أنزله عليه وأنه مبرأ عن الافتراء والكذب وأنه لا يقدر عليه أحد إلا الله، ثم ذكر هذا بقوله تعالى:{ولكن} أنزل {تصديق الذي بين يديه} أي: قبله من الكتب الذي أنزلها على أنبيائه كالتوراة والانجيل، فثبت بذلك أنه وحي من الله أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم وأنه معجزة له فإنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ولم يجتمع بأحد من العلماء، ثم أنه صلى الله عليه وسلم أتى بهذا القرآن العظيم المعجز، وفيه أخبار الأوّلين وقصص الماضين، وقيل تصديق الذي القرآن بين يديه من القيامة والبعث. {وتفصيل الكتاب} أي: تبيين ما كتب الله من الأحكام وغيرها {لا ريب} أي: لا شك {فيه} . وقوله تعالى:{من رب العالمين} متعلق بتصديق أو بأنزل المحذوف.
{أم} أي: بل {يقولون افتراه} أي: اختلقه محمد، ومعنى الهمزة فيه للإنكار