للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن أخلص في الدعاء أسره، وفيه تهكم بهم وبإخلاصهم؛ لأنهم إنما أتوا بهذا الإخلاص في غير وقته، بل كان من الواجب عليهم أن يأتوا به في دار الدنيا وقت التكليف، وقيل: المراد بالإسرار الإظهار، وهو من الأضداد؛ لأنهم إنما أخفوا الندامة على الكفر والفسق في الدنيا لأجل حفظ الرياسة، وفي القيامة بطل هذا فوجب الإظهار وليس هناك تخلد. فإن قيل: أسرّوا جاء على لفظ الماضي والقيامة من الأمور المستقبلة أجيب: بأنها لما كانت واجبة الوقوع جعل الله مستقبلها كالماضي. {وقضي بينهم} أي: بين الخلائق {بالقسط} أي: بالعدل {وهم لا يظلمون} .

فإن قيل: هذه الآية مكرّرة؟ أجيب: بأنّ الأولى في القضاء بين الأنبياء وتكذيبهم وهذه عامّة. وقيل: بين المؤمنين والكفار. وقيل: بين الرؤساء والأتباع، فإنّ الكفار وإن اشتركوا في العذاب فلا بدّ أن يقضي الله تعالى بينهم؛ لأنه لا يمتنع أن يكون قد ظلم بعضهم بعضاً في الدنيا وخانه، فيكون في ذلك القضاء تخفيف عذاب بعضهم وتثقيل لعذاب الباقين؛ لأنّ العدل يقتضي أن ينصف المظلومين من الظالمين، ولا سبيل إليه إلا أن يخفف من عذاب المظلومين، ويثقل في عذاب الظالمين. وقوله تعالى:

u

{ألا إنّ لله ما في السموات والأرض} تقرير لقدرته تعالى على الإثابة والعقاب {ألا إنّ وعد الله} أي: ما وعد به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من البعث للجزاء ومن ثواب الطائع وعقاب العاصي {حق} لا شك فيه {ولكنّ أكثرهم} أي: الناس {لا يعلمون} أي: جاهلون عن حقيقة ذلك فهم باقون على الجهل معدودون مع البهائم لقصور عقلهم إلا ظاهراً من الحياة الدنيا.

{هو} أي: الذي يملك ما في السموات والأرض {يحيي ويميت} أي: قادر على الإحياء والإماتة لا يتعذر عليه شيء مما أراد {وإليه ترجعون} بعد الموت للجزاء وقوله تعالى: {يا أيها الناس} خطاب عامّ. وقيل: لأهل مكة {قد جاءتكم موعظة من ربكم} أي: كتاب فيه ما لكم وعليكم وهو القرآن {وشفاء} أي: دواء {لما في الصدور} أي: القلوب من داء الجهل؛ لأنّ داء الجهل أضرّ للقلب من المرض للبدن، وأمراض القلب هي الأخلاق الذميمة والعقائد الفاسدة والجهالات المهلكة، والقرآن مزيل لهذه الأمراض كلها؛ لأنّ فيه المواعظ والزواجر والتخويف والترغيب والترهيب والتحذير والتذكير، فهو الشفاء لهذه الأمراض القلبية، وإنما خص تعالى الصدر بالذكر؛ لأنه موضع القلب وغيره وهو أعز موضع في الإنسان لمكان القلب فيه {وهدى} من الضلالة {ورحمة} أي: إكرام عظيم {للمؤمنين} لأنهم هم الذين انتفعوا به دون غيرهم. واختلف في تفسيره قوله تعالى:

{قل بفضل الله وبرحمته} فقال مجاهد وقتادة: فضل الله: القرآن، ورحمته: ان جُعِلْنَا من أهله. وقال ابن عباس والحسن: فضل الله: الإسلام، ورحمته: القرآن. وعن أبيّ بن كعب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا {قل بفضل الله وبرحمته} فقال: «بكتاب الله والإسلام» . وقال ابن عمر: فضل الله: الإسلام، ورحمته: تزيينه في قلوبنا. وقيل: فضل الله: الإسلام، ورحمته: الجنة. وقيل: فضل الله: القرآن، ورحمته: السنن. ولا مانع من أن نفسر الآية بجميع ذلك إذ لا تنافي بين هذه الأقوال. والباء في بفضل الله وبرحمته متعلقة بمحذوف يفسره ما بعده تقديره: قل فليفرحوا بفضل الله وبرحمته. {فبذلك فليفرحوا} والتكرير للتأكيد والتقرير وإيجاب

<<  <  ج: ص:  >  >>