الشام والفرس والأردن؛ لأنها بلاد الخصب والخير والبركة {ورزقناهم من الطيبات} أي: الحلالات المستلذات من الفواكه والحبوب والألبان والأعسال وغيرها، فأورث تعالى بني إسرائيل جميع ما كان تحت أيدي فرعون وقومه من الناطق والصامت والحرث والنسل كما قال تعالى:{وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها}(الأعراف/ ١٣٧) .v
{فما اختلفوا} أي: هؤلاء الذين فعلنا بهم هذا الفعل من بني اسرائيل في أمر دينهم {حتى جاءهم العلم} أي: جاءهم ما كانوا به عالمين، وذلك أنهم كانوا قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم مقرين به مجمعين على نبوّته غير مختلفين فيه لما يجدونه مكتوباً عندهم، وكانوا يخبرون بمبعثه وصفته ونعته ويفتخرون بذلك على المشركين، فلما بعث صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه، فآمن به بعضهم كعبد الله بن سلام وأصحابه، وكفر به بعضهم بغياً وحسداً وإيثاراً لبقاء الرياسة، وأنهم ما اختلفوا في دينهم إلا من بعد ما قرؤوا التوراة وعلموا أحكامها {إن ربك} يا محمد {يقضي بينهم يوم القيامة} أي: الذي هو أعظم الأيام {فيما كانوا} أي: بأفعالهم الجبلية {فيه يختلفون} أي: فيتميز الحق من الباطل والصديق من الزنديق ويسكن كلا داره، واختلف المفسرون فيمن المخاطب بقوله تعالى:
{فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب} أي: التوراة {من قبلك} أي: فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه، فقيل: هو النبيّ صلى الله عليه وسلم في الظاهر، والمراد أمته كقوله تعالى:{يا أيها النبيّ اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين}(الأحزاب، ١) وقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطنّ عملك}(الزمر، ٤٦) . وقوله تعالى لعيسى عليه السلام:{أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله}(المائدة، ١١٦) ومن الأمثلة المشهورة: إياك أعني واسمعي يا جارة، والذي يدل على صحة ذلك وجوه: الأوّل: قوله تعالى في آخر السورة: {يا أيها الناس} فبين أنّ ذلك المذكور في أوّل الآية على سبيل الرمز هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح. الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم لو كان شاكاً في نبوّة نفسه لكان شك غيره في نبوته أولى، وهذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية، الثالث: إذا قدر أن يكون شاكاً في نبوّة نفسه، فكيف يزول ذلك الشك بإخبار أهل الكتاب عن نبوّته مع أنهم في الأكثر كفار؟ فثبت أنّ الخطاب وإن كان في الظاهر معه صلى الله عليه وسلم إلا أنّ المراد هو الأمّة، ومثل هذا معتاد فإنّ السلطان إذا كان له أمير وتحت راية ذلك الأمير جمع، فإذا أراد أن يأمر الرعية بأمر مخصوص فإنه لا يوجه خطابه عليهم بل يوجه ذلك الخطاب على ذلك الأمير الذي جعله أميراً عليهم ليكون ذلك أشدّ تأثيراً في قلوبهم، وقيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم على حقيقته ولكن الله تعالى علم أنه صلى الله عليه وسلم لا يشك في ذلك إلا أن المقصود أنه متى سمع هذا الكلام فإنه يصرّح ويقول: يا رب لا أشك ولا أطلب الحجة من قول أهل الكتاب بل أكتفي بما أنزلته عليّ من الدلائل الظاهرة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم «لا أشك ولا أسأل أحداً منهم» ، ونظير هذا قوله للملائكة:{أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون}(سبأ، ٤٠) والمقصود أن يصرّحوا بالجواب الحق ويقولوا سبحانك أنت ولينا من
دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ. وكما قال تعالى لعيسى عليه السلام:{أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين}(المائدة، ١١٦)