للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن المشير أشار بطرحه في موضع مظلم من الجب لا يلحقه نظر الناظرين. قال بعض أهل العلم: إنهم عزموا على قتله وعصمه الله تعالى رحمة بهم ولو فعلوا لهلكوا أجمعين، واختلف في موضع ذلك الجب، فقال قتادة: هو ببيت المقدس وقال وهب: هو بأرض الأردن. وقال مقاتل: هو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب. وقرأ نافع بألف بين الباء والتاء على الجمع والباقون بغير ألف على التوحيد {يلتقطه} ، أي: يأخذه {بعض السيارة} جمع سيار، أي: المبالغ في السير، وذلك الجب كان معروفاً يرد عليه كثير من المسافرين، فإذا أخذوه ذهبوا به إلى ناحية أخرى فنستريح منه {إن كنتم فاعلين} ، أي: ما أردتم من التفريق فاكتفوا بذلك ولما أجمعوا على التفريق بين يوسف وأبيه بضرب من الحيل.

{قالوا} إعمالاً للحيلة في الوصول إليه مستفهمين على وجه التعجب؛ لأنه كان أحس منهم السوء فكان يحذرهم عليه {يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف و} الحال {إنا له لناصحون} ، أي: قائمون بمصلحته وحفظه.

تنبيه: اتفق القراء على إخفاء النون الساكنة عند النون المتحرّكة واتفقوا أيضاً على إدغامها مع الإشمام.

{أرسله معنا غداً} ، أي: إلى الصحراء {نرتع} ، أي: نتسع في أكل الفواكه ونحوها وأصل الرتع أكل البهائم في الخصب في زمن الربيع ويستعار للإنسان إذا أريد به الأكل الكثير {ونلعب} روي أنه قيل لأبي عمرو: كيف يقولون نلعب وهم أنبياء؟ فقال: لم يكونوا يومئذ أنبياء، وأيضاً جاز أن يكون المراد باللعب الإقدام على المباحات لأجل انشراح الصدر كما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لجابر: «فهلا بكراً تلاعبها، وتلاعبك» وأيضاً كان لعبهم الاستباق والانتضال والغرض منه المحاربة والمقاتلة مع الكفار، والدليل عليه قولهم {إنا ذهبنا نستبق} وإنما سموه لعباباً لأنه في صورته.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فيهما، والباقون بالياء، وسكن العين أبو عمرز وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي، وكسرها الباقون في الوصل، ولقنبل وجه آخر وهو أنه يثبت الياء في نرتع بعد العين وقفاً ووصلاً {وإنا له لحافظون} ، أي: بليغون في الحفظ له حتى نردّه إليك سالماً. قال أبو حيان: وانتصب {غداً} على الظرف وهو ظرف مستقبل يطلق على اليوم الذي يلي يومك وعلى الزمن المستقبل من غير تقييد، وأصل غداً غدو فحذفت الواو انتهى. ثم إنّ يعقوب عليه السلام اعتذر لهم بعذرين الأوّل: ما حكاه الله تعالى عنه بقوله:

{قال إني ليحزنني أن تذهبوا به} ، أي: ذهابكم به، والحزن هنا ألم القلب بفراق المحبوب؛ لأنه كان لا يقدر أن يصبر عنه ساعة، وقرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي، والباقون بفتح الياء وضم الزاي، والثاني: قوله: {وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} بالرتع واللعب أو لقلة اهتمامكم به، وكان يعقوب عليه السلام رأى في النوم أنّ الذئب شدّ على يوسف فكان يحذره فمن أجل هذا ذكر ذلك، وكأنه لقنهم العلة، وفي أمثال العرب البلاء موكل بالمنطق، والمراد به الجنس، وكانت أرضهم كثيرة الذئاب.

{قالوا} مجيبين عن الثاني بما يلين الأب لإرساله مؤكدين لتطييب خاطره دالين على القسم بلامه {لئن أكله الذئب ونحن} ، أي: والحال أنَّا {عصبة} ، أي: جماعة عشرة رجال بمثلهم تعصب الأمور وتكفى الخطوب، وأجابوا عن القسم بما أغنى عن جواب الشرط

<<  <  ج: ص:  >  >>