للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يبسط في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» . ومعنى ينسأ يؤخر، والمراد به تأخير الأجل، وفيه قولان:

أحدهما وهو المشهور: أنه يزاد في عمره زيادة حقيقية.

والثاني: يبارك له في عمره فكأنه قد زيد فيه. وعن ابن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها» . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تأتي يوم القيامة لها ألسنة ذلقة الرحم فتقول: أي: رب قطعت والأمانة تقول: أي رب تركت والنعمة تقول: أي: رب كفرت» . وعن الفضيل بن عياض أنّ جماعة دخلوا عليه بمكة فقال: من أين أنتم؟ فقالوا: من خراسان. قال: اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم، واعلموا أنّ العبد لو أحسن كل الإحسان وكان له دجاجة، فأساء إليها لم يكن من المحسنين.

{ويخشون ربهم} ، أي: وعيده عموماً، والخشية خوف يشوبه تعظيم {ويخافون سوء الحساب} خصوصاً فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا {والذين صبروا} ، أي: على طاعة الله تعالى وعن معاصيه وفي كل ما ينبغي الصبر فيه. وقال ابن عباس: صبروا على أمر الله. وقال عطاء: على المصائب والنوائب. وقيل: صبروا عن الشهوات وعن المعاصي، ومرجع الكل واحد فإنّ الصبر الحبس، وهو تجرع مرارة منع النفس عما تحب مما لا يجوز فعله {ابتغاء} ، أي: طلب {وجه ربهم} ، أي: رضاه لا طلب غيره من جور أو سمعة أو رياء أو لغرض من أغراض الدنيا أو نحو ذلك {وأقاموا الصلاة} ، أي: المفروضة، وقيل: مطلق الصلاة، فيدخل فيه الفرض والنفل.

{وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية} قال الحسن: المراد به الزكاة، فإن لم يتهم بترك الزكاة فالأولى أن يؤدّيها سرًّا، وإن كان يتهم بترك أدائها، فالأولى أن يؤدّيها علانية، وقيل: المراد بالسر صدقة التطوّع، وبالعلانية الزكاة. وقيل: المراد بالسر ما يؤدّيه من الزكاة بنفسه وبالعلانية ما يدفعه إلى الإمام. {ويدرؤون} ، أي: يدفعون {بالحسنة السيئة} كالجهل بالحلم والأذى بالصبر. روي عن ابن عباس قال: يدفعون بالصالح من العمل السيء من العمل، وهو معنى قوله تعالى: {إنّ الحسنات يذهبن السيئات} (هود، ١١٤) وقوله صلى الله عليه وسلم «إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها السر بالسر والعلانية بالعلانية» . وعن عقبة بن عامر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل عليه درع ضيق قد خنقه ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم عمل حسنة أخرى فانفكت أخرى حتى يخرج إلى الأرض» . وقال ابن عباس: يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سوء غيرهم. وعن الحسن إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا. وعن ابن عمر: ليس الواصل من وصل، ثم وصل تلك مجازاة لكن من قطع ثم وصل وعطف من لم يصله، وليس الحليم من ظلم، ثم حلم حتى إذا هيجه قوم اهتاج لكن الحليم من قدر ثم عفا. وعن ابن كيسان إذا أذنبوا تابوا، وقيل: إذا رأوا منكراً أمروا بتغييره، وروي أنّ شقيقاً البلخي دخل على ابن المبارك متنكراً فقال له: من أين أنت؟ فقال: من بلخ. فقال: وهل تعرف شقيقاً؟ قال: نعم. فقال: وكيف طريقة أصحابه؟ قال: إذا منعوا صبروا وإذا أعطوا شكروا. فقال ابن المبارك: طريقة كلابنا هكذا. فقال شقيق: فكيف ينبغي أن يكون الأمر؟ فقال: الكاملون

<<  <  ج: ص:  >  >>