الثقلين» . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا جنازة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغنا من دفنها وانصرف الناس قال: «إنه الآن يسمع خفق نعالكم أتاه منكر ونكير أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر، وأصواتهما مثل الرعد فيجلسانه فيسألانه ما كان يعبد ومن نبيه؟ فإن كان ممن يعبد الله تعالى قال: كنت أعبد الله ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه فذلك قوله
تعالى:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فيقال له: على اليقين حييت وعليه مت وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى الجنة ويوسع له في حفرته، وإن كان من أهل الشك قال: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته فيقال له: على الشك حييت وعليه مت وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى النار ويسلط عليه عقارب وتنانين لو نفخ أحدهم في الدنيا ما أنبتت شيئاً، فتنهشه وتؤمر الأرض فتنضم عليه حتى تختلف أضلاعه» . فنسأل الله الثبات لنا ولوالدينا ولأحبابنا في الدنيا والآخرة إنه كريم جواد. ثم إنه تعالى عاد إلى وصف الكافرين فقال:
{ألم تر} ، أي: تنظر، وفي المخاطب ما تقدّم {إلى الذين بدّلوا} والتبديل جعل الشيء مكان غيره {نعمة الله} ، أي: التي أسبغها عليهم من كلمة التوحيد ومن جميع النعم الدنيوية وتيسير الرزق وغير ذلك بأن جعلوا مكان شكرها {كفراً} وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان، وأعلاهم همماً في الوفاء وأبعدهم عن الجفاء {وأحلوا} ، أي: أنزلوا {قومهم} ، أي: الذين تابعوهم في الكفر بإضلالهم إياهم {دار البوار} ، أي: الهلاك مع إدعائهم أنهم أذب الناس عن الجار فضلاً عن الأهل. روى البخاري في التفسير أنهم كفار أهل مكة، وقوله تعالى:
{وجعلوا لله} ، أي: الذين يعلمون أنه لا شريك له في خلقهم ولا رزقهم؛ لأنّ له الكمال كله {أنداداً} ، أي: شركاء، وقوله تعالى:{ليضلوا عن سبيله} ، أي: دين الإسلام، فيه قراءتان: قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء من ضلّ، يضلّ والباقون بضم الياء من أضل يضل، وليس الضلال ولا الإضلال غرضهم في اتخاذ الأنداد لكن لما كان نتيجته جعل كالغرض. ولما حكى الله تعالى عنهم هذه الأنواع الثلاثة من الأعمال القبيحة قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {قل} ، أي: تهديداً لهم، فإنهم لا يشكون في قولك وإن عاندوا {تمتعوا} بدنياكم قليلاً {فإن مصيركم} ، أي: مرجعكم {إلى النار} في الآخرة، ولما أمر الله تعالى الكافرين على سبيل التهديد والوعيد بالتمتع بنعيم الدنيا، أمر المؤمنين بترك التمتع بالدنيا والمبالغة في المجاهدة بالنفس والمال بقوله تعالى:
{قل لعبادي} فوصفهم بأشرف أوصافهم، وأضافهم إلى ضميره الشريف تحبباً لهم فيه، ثم أتبع هذا الوصف ما يناسبه من إذعانهم لسيدهم بقوله تعالى:{الذين آمنوا} ، أي: أوجدوا هذا الوصف {يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم} فيه وجهان: أحدهما: يصح أن يكون جواباً بالأمر محذوف تقديره قل لعبادي الذين آمنوا: أقيموا الصلاة وأنفقوا يقيموا الصلاة وينفقوا. والثاني: يصح أن يكون هو أمراً مقولاً محذوفاً منه اللام، أي: ليقيموا ليصح تعلق القول بهما، وإنما حسن ذلك هاهنا ولم يحسن في قوله: