للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التواجه وهو نقيض التدابر ولا شك أنّ المواجهة أشرف الأحوال. وعند مجاهد رضي الله تعالى عنه تدور بهم الأسرة حيثما داروا فيكونون في جميع أحوالهم متقابلين. تنبيه: ليس المراد الإخوة في النسب بل المراد الإخوة في المودّة والمخالطة كما قال تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين} (الزخرف، ٦٧)

. وعن الجنيد أنه قال: ما أحلى الاجتماع مع الأصحاب وما أمرّ الاجتماع مع الأضداد. وقوله تعالى:

{لا يمسهم فيها نصب} أي: إعياء وتعب وجهد ومشقة استئناف أو حال بعد حال أو حال من الضمير في متقابلين وقوله تعالى: {وما هم منها بمخرجين} المراد به كونه خلوداً بلا زوال وبقاء بلا فناء وكمالاً بلا نقصان وفوزاً بلا حرمان. ولما ذكر تعالى أحوال المتقين وأحوال غيرهم أتبع ذلك بقوله تعالى:

{نبئ} أي: خبر يا أفضل الخلق {عبادي} إخباراً جليلاً {أني أنا} أي: وحدي {الغفور} أي: للمؤمنين {الرحيم} بهم وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء من عبادي وأني والباقون بالسكون. وأمّا الهمزة في نبئ فلم يبدلها إلا حمزة في الوقف فقط، وكذا الهمزة من نبئهم ونقل عن حمزة كسر الهاء في الوقف.

{وأنّ عذابي} أي: وحدي للعصاة {هو العذاب الأليم} أي: المؤلم. تنبيه: في هذه الآية لطائف: الأولى أنه سبحانه وتعالى أضاف العباد إلى نفسه وهذا تشريف عظيم ألا ترى أنه قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} (الإسراء، ١)

. الثانية: أنه تعالى لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيدات بألفاظ ثلاث أوّلها: قوله تعالى: {أني} . ثانيها: قوله: {أنا} . ثالثها: إدخال حرف الألف واللام على قوله تعالى: {الغفور الرحيم} . ولما ذكر العذاب لم يقل أني أنا المعذب، وما وصف نفسه بذلك، بل قال: {وأن عذابي هو العذاب الأليم} . الثالثة: أنه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ إليهم هذا المعنى فكأنه أشهد رسوله على نفسه في التزام المغفرة والرحمة. والرابعة: أنه لما قال: {نبئ عبادي} كان معناه نبئ كل من كان معترفاً بعبوديتي وهذا كما يدخل فيه المؤمن المطيع كذلك يدخل فيه المؤمن العاصي وكل ذلك يدل على تغليب جانب الرحمة من الله تعالى. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الله خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة فأمسك منها عنده تسعة وتسعين، وأرسل في خلقه رحمة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة. ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار» . وعن عبادة رضي الله تعالى عنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو يعلم العبد قدر عفو الله ما تورع من حرام، ولو يعلم قدر عذابه لجمع نفسه إلى قتلها» . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه مرّ بنفر من أصحابه وهم يضحكون فقال: «أتضحكون وقد ذكر الجنة والنار نبى أيديكم فنزل {بنئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم} » . ولما بالغ تعالى في تقرير النبوّة ثم أردفه بذكر دلائل التوحيد، ثم ذكر تعالى عقبه أحوال القيامة ووصف الأشقياء والسعداء أتبع ذلك بقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليكون سماعها مرغباً في العبادة الموجبة للفوز بدرجات الأولياء ومحذراً عن المعصية الموجبة لاستحقاق دركات الأشقياء وافتتح من ذلك بقصة إبراهيم عليه السلام. فقال تعالى:

{ونبئهم} أي: خبّر يا سيد المرسلين عبادي

<<  <  ج: ص:  >  >>