للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منع {إذ جاءهم الهدى} أي: الدليل القاطع على الإيمان وهو القرآن وغيره من الأدلة. وقرأ أبو عمرو وهشام بإدغام ذال إذ عند الجيم والباقون بالإظهار وأمال الألف بعد الجيم حمزة وابن ذكوان محضة وإذا وقف حمزة على جاءهم سهل الهمزة مع المدّ والقصر. {إلا أن قالوا} فاعل منع أن قالوا، أي: منكرين عليه غاية الإنكار متعجبين متهكمين {أبعث الله بشراً رسولاً} لأنّ الكفار كانوا يقولون: لن نؤمن لك لأنك بشر، ولو بعث الله تعالى رسولاً إلى الخلق لوجب أن يكون ذلك الرسول من الملائكة فأجابهم الله تعالى بقوله: {قل} أي: لهؤلاء المطرودين عن الرحمة {لو كان في الأرض ملائكة يمشون} عليها كالآدميين {مطمئنين} أي: مستوطنين فيها كالبشر {لنزلنا عليهم} مرّة بعد مرّة كما فعلنا في تنزيل جبريل عليه السلام على الأنبياء من البشر وحقق الأمر بقوله تعالى: {من السماء ملكاً رسولاً} يعلمهم الخير ويهديهم المراشد لتمكنهم من التلقي منه لمشاكلتهم له بخلاف البشر كما هو مقتضى الحكمة لأنّ رسول كل جنس ينبغي أن يكون منهم إذ الشيء عن شكله أفهم وبه آنس وإليه أحنّ وله آلف إلا من فضله الله تعالى بتغلب روحه على نفسه، وبتغلب عقله على شهوته فأقدره بذلك على التلقي من الملك كالمرسلين ثم أجابهم الله تعالى جواباً آخر بقوله عز وجلّ:

{قل كفى بالله} أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلماً. وأمال الألف حمزة والكسائي محضة وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح {شهيداً بيني وبينكم} على أني رسوله إليكم ليظهر المعجزات على وفق دعواهم وإني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنكم عاندتم ومن يشهد الله على صدقه فهو صادق فعند ذلك قول القائل بأنّ الرسول يجب أن يكون ملكاً لا إنساناً تحكم فاسد لا يلتفت إليه. تنبيه: شهيداً نصب على الحال أو التمييز، ثم إنه تعالى ذكر ما هو كالتهديد والوعيد بقوله تعالى: {إنه كان بعباده خبيراً بصيراً} يعلم ظواهرهم وبواطنهم، ويعلم من قلوبهم أنهم لا ينكرون هذا إلا لمحض الحسد وحب الرياسة والاستنكاف من الانقياد للحق. ولما تقدّم أنه تعالى أعلم بالمهتدي والضال عطف عليه قوله تعالى:

{ومن يهد الله} بأن يخلق الهداية في قلبه {فهو المهتدى} لا يمكن أحد غيره أن يضله. تنبيه: أثبت نافع وأبو عمرو الياء بعد الدال مع الوصل دون الوقف وحذفها الباقون وقفاً ووصلاً. {ومن يضلل فلن تجد لهم} أي: الضالين {أولياء} يهدونهم {من دونه} ولا ينفعونهم بشيء أراد الله تعالى غيره. ولما كان يوم القيامة يظهر الله فيه لكل أحد ما كان يعمله نبه على ذلك بقوله تعالى: {ونحشرهم} بنون العظمة، أي: نجمعهم بكره {يوم القيامة} الذي هو محط الحكمة {على وجوههم} مسحوبين عليها إهانة لهم فيها كما لم يذلوها بالسجود لنا. قال تعالى: {يوم يسحبون في النار على وجوههم} (القمر، ٤٨)

أي: يمشون عليها. روى أبو هريرة قيل: يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم قال: «إنّ الذي يمشيهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» . قال حكماء الإسلام: إنّ الكفار أرواحهم شديدة التعلق بالدنيا ولذاتها وليس لها تعلق بعالم الأنوار وحضرة الإله سبحانه وتعالى، فلما كانت وجوه قلوبهم وأرواحهم متوجهة إلى الدنيا لا جرم كان حشرهم على وجوههم، وأمّا قوله تعالى: {عمياً وبكماً وصماً} فقد استشكله شخص على ابن عباس

<<  <  ج: ص:  >  >>