للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَال يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ (٣٧)

يخبر ربنا - تعالى - أنه تقبلها من أمها نذيرة، وأنه [١] أنبتها نباتًا حسنًا، أي: جعلها شكلًا مليحًا ومنظرًا بهيجًا، ويسر لها أسباب القبول، وقرنها بالصالحين من عباده، تتعلم منهم [العلم و] [٢] الخير والدين، فلهذا [٣] قال: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ (٩٩) وفي قراءة ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ (١٠٠) بتشديد الفاء، ونصب زكريا على المفعولية، أي: جعله كافلًا لها. قال ابن إسحاق: وما ذلك [٤] إلا أنها كانت يتيمة. وذكر غيره: أن بني إسرائيل أصابتهم سنة جدب، فكفل زكريا مريم [٥] لذلك ولا منافاة بين القولين والله أعلم.

وإنما قدر الله كون زكريا كافلها لسعادتها، لتقتبس منه علمًا جمًّا نافعًا وعملًا صالحًا، ولأنه كان زوج خالتها على ما ذكره ابن إسحاق، وابن جرير وغيرهما [٦]. وقيل: زوج أختها. كما ورد في الصحيح (١٠١): " فإذا بيحيى [٧] وعيسى و [٨] هما ابنا الخالة" وقد يطلق [٩] على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضًا [١٠] توسعًا، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها. وقد ثبت في الصحيحين [١١]: أنّ رسول الله قضى في عمارة بنت حمزة، أن تكون [١٢] في حضانة خالتها امرأة جعفر بن أبي طالب، وقال: "الخالة بمنزلة الأم" (١٠٢).

ثم أخبر تعالى عن سيادتها رجلالتها في محل عبادتها، فقال: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا


(٩٩) - قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: ﴿وَكَفَّلَهَا﴾ مفتوحة الفاء خفيفة.
(١٠٠) - وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ﴿وكفَّلها﴾ مشددة الفاء.
(١٠١) - سيأتي تخريجه - سورة الإسراء.
(١٠٢) - أخرجه البخاري في "صحيحه" كتاب الصلح، باب: كيف يكتب "هذا ما صالح فلان بن فلان ابن فلان وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه" حديث (٢٦٩٩) مطولًا. ومسلم في "صحيحه" كتاب الجهاد والسير، حديث (١٧٨٣/ ١٩) مختصرًا وليس فيه لفظ "الخالة بمنزلة الأم"، وأحمد في "مسنده" (٤/ ٢٩٨) بلفظ مسلم من حديث البراء بن عازب.