يقول تعالى: هذه ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ فيه تنبيه إلى [١] الاعتناء بها، ولا ينفي ما عداها ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ قال مجاهد وقتادة: أي: بينا الحلال والحرام، والأمر والنهي والحدود.
وقال البخاري: ومن قرأ ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ يقول: فرضناها عليكم، وعلى من بعدكم، ﴿وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ أي: مفسرات واضحات ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [][٢] هذه الآية الكريمة فيها حكم الزانى في الحد، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع؛ فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرًا وهو الذي لم يتزوج، أو محصنًا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل، فأمّا إذا كان بكرًا لم يتزوج، فإن حده [جلد مائة][٣]، كما في الآية، ويزاد على ذلك أن يغرب عامًا [عن بلده][٤] عند جمهور العلماء، خلافا لأبي حنيفة ﵀؛ فإن عنده: أن التغريب إلى رأي الإِمام، أن شاء غرّب، وإن شاء لم يغرب.
وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين (١) من رواية الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين اللذين أتيا رسول اللَّه ﷺ فقال أحدهما: يا رسول اللَّه؛ أن ابني [][٥] كان عسيفًا -يعني: أجيرًا- على هذا، فزنا بامرأته، فافتديت [][٦] منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم؛ فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم؛ فقال
(١) - صحيح البخاري، كتاب الصلح، باب: إذا اصطحوا على صلح جور فالصلح مردود، حديث (٢٦٩٦) وأطرافه حديث (٢٧٢٥) في الشروط، و (٦٦٣٣) في الأيمان والنذور، و (٦٨٢٨، و ٦٨٣٦، و ٦٨٤٣) ثلاثتهم في الحدود، و (٧١٩٥) في الأحكام، و (٧٢٦٠) في أخبار الآحاد. وصحيح مسلم، كتاب الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا حديث (١٦٩٨).