للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير سورة الإنسان وهي مكية]

قد تقدم في صحيح مسلم (١)، عن ابن عباس - أن رسول الله كان يقرأ في صلاة الصبح يومَ الجمعة ﴿الم (١) تَنْزِيلُ﴾ السجدة، و ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾.

وقال عبد الله بن وهب، أخبرنا ابن زيد، أن رسول الله قرأ هذه السورة: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾، وقد أنزلت عليه وعنده رجل أسود، فلما بلغ صفة الجنان، زفر زفرة فخرجت نفسه. فقال رسول الله : "أخرج نفس صاحبكم -أو قال: أخيكم- الشوقُ إلى الجنة". مرسل غريب.

﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيئًا مَذْكُورًا (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢) إِنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)

يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان أنه أوجده بعد أن لم يكن شيئًا يذكر، لحقارته، وضعفه، فقال: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيئًا مَذْكُورًا﴾.

ثم بين ذلك فقال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾، أي: أخلاط. والمشج والمشيج: الشيء الخَليط، بعضه في بعض.

قال ابن عباس في قوله: ﴿مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾، يعني: ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا، ثم ينتقل بعدُ من طور إلى طور، وحال إلى حال، ولون إلى لون. وهكذا قال عكرمة، ومجاهد، والحسن، والربيع بن أنس: الأمشاج هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة.

وقوله: ﴿نَبْتَلِيهِ﴾، أي: نختبره، كقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾. ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾، أي: جعلنا له سمعًا وبصرًا يتمكن بهما من الطاعة والمعصية.

وقوله: ﴿إِنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ﴾، أي: بيناه له ووضحناه وبصرناه به، كقوله: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَينَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾. وكقوله: ﴿وَهَدَينَاهُ النَّجْدَينِ﴾، أي: بينا له طريق الخير وطريق الشر. وهذا قول عكرمة، وعطية، وابن زيد، ومجاهد - في المشهور عنه -


(١) تقدم تخريجه في أول سورة السجدة.