للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذا الحديث -والذي قبله- دليل على أن حصول النسيان للشخص ليس بنقص له إذا كان بعد الاجتهاد والحرص، وفي حديث ابن مسعود أدب في التعبير عن حصول ذلك، فلا يقول: نسيت آية كذا، فإن النسيان ليس من فعل العبد، وقد يصدر عنه أسبابه من التناسي والتغافل والتهاون المفضي إلى ذلك، فأما النسيان نفسه فليس بفعله؛ ولهذا قال: "بل هو نُسِيَ"، مبني لما لم يسم فاعله، وأدب -أيضًا- في ترك إضافة ذلك إلى الله تعالى، وقد أسند النسيان إلى العبد في قوله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: ٢٤] (٣٢٨) وهو، والله أعلم، من باب المجاز السائغ بذكر المسبب وإرادة السبب؛ لأن النسيان إنما يكون عن سبب قد يكون ذنبا، كما تقدم عن الضحاك بن مزاحم، فأمر الله تعالى بذكره ليذهب الشيطان عن القلب كما يذهب عند النداء بالأذان، والحسنة تذهب السيئة، فإذا زال السبب للنسيان انزاح، فحصل الذكر لشيء بسبب ذكر الله تعالى، والله أعلم.

من لم ير بأسًا أن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا وكذا

حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا إبراهيم، عن علقمة وعبد الرحمن بن يزيد، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول الله : "الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما في ليلة كفتاه" (٣٢٩).

وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة من حديث عبد الرحمن بن يزيد، وصاحبا الصحيح والنسائي وابن ماجة من حديث علقمة، كلاهما عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري (٣٣٠).

الحديث الثاني: ما رواه من حديث الزهري، عن عروة، عن المِسْوَر وعبد الرحمن بن عبد القارئ، كلاهما عن عمر قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان … وذكر الحديث بطوله، كما تقدم، وكما سيأتي (٣٣١).


(٣٢٨) -[الإسراء: ١٠٦].
(٣٢٩) - البخاري في فضائل القرآن برقم (٥٠٤٠).
(٣٣٠) - البخاري في المغازي، وفي فضائل القرآن برقم (٤٠٠٨، ٥٠٠٨)، ومسلم برقم ٢٥٥، ٢٥٦ - (٨٠٧، ٨٠٨)، وأبو داود في الصلاة، باب: تحزيب القرآن برقم (١٣٩٧)، والترمذي في ثواب القرآن، باب: آخر سورة البقرة برقم (٢٨٨١)، والنسائي في الكبرى برقم (٨٠١٨، ٨٠١٩)، وابن ماجة في إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما يرجى أن يكفي من قيام الليل، برقم (١٣٦٨، ١٣٦٩).
(٣٣١) - البخاري في فضائل القرآن، باب من لم ير بأسًا أن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا وكذا برقم (٥٠٤١).