للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾ تأكيد لهذا [١] الوعد، وإخبار بأنه قد كتبه على نفسه الكريمة، وأنزله على رسله في كتبه الكبار، وهي التوراة المنزلة على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى، والقرآن المنزل على محمد، صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعينَ.

وقوله: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ فإنه لا يخلف الميعاد، وهذا [٢] كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾؛ ولهذا قال: ﴿فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ أي: فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد، ووَفى بهذا العهد، بالفوز العطم والنعيم المقيم.

﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)

هذا نعت المؤمنين الذين اشترى اللَّه منهم أنفشهم وأموالهم، بهذه الصفات الجميلة والخلال الجليلة ﴿التَّائِبُونَ﴾ من الذنوب كلها، التاركون للفواحش ﴿الْعَابِدُونَ﴾ أي: القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها، وهي الأقوال [٣] والأفعال، فمن أخص الأقوال: الحمد، فلهذا قال: ﴿الْحَامِدُونَ﴾ ومن أفضل الأعمال: الصيام، وهو ترك الملاذ من الطعام والشراب والجماع، وهو المراد بالسياحة هاهنا؛ ولهذا قال: ﴿السَّائِحُونَ﴾ كما وصف أزواج النبي، ، بذلك في قوله تعالى: ﴿سَائِحَاتٍ﴾ أي: صائمات، وكذا الركوع والسجود وهما عبارة عن الصلاة؛ ولهذا قال: ﴿الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ﴾ وهم مع ذلك ينفعون خلق اللَّه، ويرشدونهم إلى طاعة اللَّه بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه، وهو حفظ حدود اللَّه في تحليله وتحريمه، علمًا وعملًا، فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق؛ ولهذا قال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ لأن الإِيمان يشمل هذا كله، والسعادة كل السعادة لمن اتصف به.

[(بيان أن المراد بالسياحة الصيام)]

قال سفيان الثوري عن عاصم، عن زر، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: ﴿السَّائِحُونَ﴾


[١]- في ز، خ: " هذا ".
[٢]- في ت: "هذا".
[٣]- في خ: " بالأقوال ".