يخبر تعالى أنه عاوض [][١] عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم اذ بذلوها في سبيله بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنه قَبِلَ العوض عما [٢] يملكه بما تفضل به على عباده الممعين له؛ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة: بايعهم - واللَّه - فأغلى ثمنهم.
وقال شمر بن عطية: ما من مسلم إلا وللَّه ﷿ في عنقه بيعة، وَفَّى بها أو مات عليها، ثم تلا هذه الآية، ولهذا يقال: من حمل في سبيل اللَّه بايع اللَّه، أي: قبل هذا العقد ووفَّى به.
وقال محمد بن كعب القرظى وغيره: قال عبد اللَّه بن رواحة، ﵁، لرسول اللَّه، ﷺ، يعني ليلة العقبة -: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال:"أشترط لربي أن كعبدوه [٣] ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم". قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال:"الجنة". قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ الآية.
وقوله: ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ أي: سواء قَتَلُوا [أو قُتِلُوا][٤]، أو اجتمع لهم هذا وهذا فقد وجبت لهم الجنة؛ ولهذا جاء في الصحيحين:"وتكفل اللَّه لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وتصديق برسلي [٥]- بأن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعة إلى مسكنه [٦] الذي خرج منه، نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة"(٢٥٤).
(٢٥٤) - صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس رقم (٣١٢٣)، وصحيح مسلم كتاب الإمارة رقم (١٨٧٦).