للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير حم السجدة وهي مكية] [١]

﴿حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٤) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَينِنَا وَبَينِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (٥)

يقول تعالى: ﴿حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ يعني: القرآن منزل من الرحمن الرحيم كقوله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ﴾، وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾، وقوله: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ أي: بُيّنت معانيه وأحكمت أحكامه، ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ أي: في حال كونه لفظًا عربيًّا، بيِّنًا واضحًا، فمعانيه مفصلة، وألفاظه واضحة غير مشكلة، كقوله: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ أي: هو معجز من حيث لفظه ومعناه، ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، وقوله؛ ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي: إنما يعرف هذا البيانَ والوضوحَ العلماءُ الراسخون، ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ أي: تارة يبشر المؤمنين، وتارة ينذر الكافرين، ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ أي: أكثر قريش، فهم لا يفهمون منه شيئًا مع بيانه ووضوحه، ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾ أي: في غلف مغطاة ﴿مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْر﴾ أي: صمم عما جئتنا به، ﴿وَمِنْ بَينِنَا وَبَينِكَ حِجَابٌ﴾، فلا يصل إلينا [٢] شيء مما تقول [٣]، ﴿فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ أي: اعمل أنت على طريقتك، ونحن علي طريقتنا لا نتابعك.

قال الإمام العَلَم عبد بن حُمَيد في مسنده (١): حدثني ابن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، عن الأجلح، عن الذَّيَّال بن حَرْمَلَة الأسدي، عن جابر بن عبد الله قال: اجتمعت [٤] قريش يومًا فقالوا: انظروا أعلمَكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا


(١) - المنتخب (١١٢٣).