للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد روي أن عليًّا، ، أراد أن يجمع القرآن بعد رسول الله مرتبًا بحسب نزوله أولًا فأولا، كما رواه ابن أبي داود حيث قال:

حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي أقسم عليٌّ ألا يهتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل، فأرسل إليه أبو بكر، ، بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة. فبايعه ثم رجع (٩٣).

هكذا رواه وفيه انقطاع، ثم قال: لم يذكر المصحف أحد إلا أشعث، وهو لين الحديث، وإنما رووا: حتى أجمع القرآن، يعني أتم حفظه، فإنه يقال للذي يحفظ القرآن: قد جمع القرآن.

قلت: وهذا الذي قاله أبو بكر أظهر، والله أعلم، فإن عليًّا لم ينقل عنه مصحف على ما قيل ولا غير ذلك، ولكن قد توجد مصاحف على الوضع العثماني، يقال: إنها بخط علي، ، وفي ذلك نظر، فإنه في بعضها: كتبه علي بن أبي طالب، وهذا لحن من الكلام؛ وعلي من أبعد الناس عن ذلك فإنه كما هو المشهور عنه هو أول من وضع علم النحو، فيما رواه عنه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي، وأنه قسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف، وذكر أشياء أخر تممها أبو الأسود بعده، ثم أخذه الناس عن أبي الأسود فوسعوه ووضحوه، وصار علمًا مستقلًا.

وأما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وقد كانت قديمًا بمدينة طبرية ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثمان عشرة وخمسمائة، وقد رأيته كتابًا عزيزًا جليلًا عظيمًا ضخمًا بخط حسن مبين قوي بحبر محكم في رق أظنه من جلود الإبل، والله أعلم، زاده الله تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا.

فأما عثمان، ، فما يعرف أنه كتب بخطه هذه المصاحف، وإنما كتبها زيد بن ثابت في أيامه، ربما وغيره، فنسبت إلى عثمان لأنها بأمره وإشارته، ثم قرئت على الصحابة بين يدي عثمان، ثم نفذت إلى الآفاق، ، وقد قال أبو بكر بن أبي داود (٩٤):


= ومسلم في فضائل الصحابة برقم ٩٨ - (٢٤٥٠).
(٩٣) - المصاحف (ص ١٠)، ومن طريقه ابن عساكر (١٢/ ٣٢٧ - ٣٢٨).
(٩٤) - رواه الطبري (٤/ ٣٨٣)، وعمر بن شبة (٣/ ١١٣٨ - ١١٣٩)، والطبراني (١/ ١١٩)، من طريق الزهري، عن أبي سلمة؛ قال: لما ضرب عثمان. فذكره، وحسن إسناده الهيثمي (٩/ ٩٤)، وهو منقطع بين أبي سلمة وعثمان.