للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهذا قول هؤلاء من السلف، وقد خالفهم الجمهور قديمًا وحديثًا، فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقًا لها؛ لأن المشتري نائب عن البائع، والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة وباعها مسلوبة عنها، واعتمدوا في ذلك على حديث برهة الخرج في الصحيحين وغيرهما (٢٤١)، فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها ونجَّزت عتقها، ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث، بل خيرها رسول الله بين الفسخ والبقاء؛ فاختارت الفسخ: قصتها مشهورة. فلو كان بيع الأمة طلاقها، كما قال هؤلاء، ما خيرها النبي ؛ فلما خيرها دل على بقاء النكاح، وأن المراد من الآية المسبيات فقط، والله أعلم.

وقد قيل: المراد بقوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ يعني، العفائف حرام عليكم حتى تملكوا عصمتهن بنكاح وشهود ومهور وولي، واحدة، أو اثنتين، أو ثلاثًا، أو أربعًا. حكاه ابن جرير (٢٤٢) عن أبي العالية وطاووس وغيرهما. وقال عمر وعبيدة: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ ما عدا الأربع حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم.

وقوله تعالى: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيكُمْ﴾ أي: هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم، [يعني الأربع] [١] فالزموا كتابه، ولا تخرجوا [٢] عن حدوده، والزموا شرعه وما فرضه.

و [٣] قال عبيدة وعطاء والسدي في قوله: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيكُمْ﴾ يعني: الأربع.

وقال إبراهيم: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيكُمْ﴾ يعني ما حرم عليكم.

وقوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ أي: ما عدا من ذكرن من المحارم هن لكم حلال، قاله عطاء وغيره. وقال عبيدة والسدي: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ ما دون الأربع. وهذا بعيد. والصحيح قول عطاء كما تقدم. وقال قتادة: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ يعني ما ملكت أيمانكم، وهذه الآية هي [٤] التي احتج بها من احتج على تحليل الجمع بين الأختين، وقول من قال: أحلتهما آية وحرمتهما آية. وقوله تعالى: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيرَ مُسَافِحِينَ﴾ أي: تحصلوا بأموالكم من الزوجات إلى أربع، أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي، ولهذا قال: ﴿مُحْصِنِينَ غَيرَ مُسَافِحِينَ﴾.


(٢٤١) - صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب: الشروط في البيوع (٢٧١٧)، ومسلم في كتاب العتق (١٥٠٤) - من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة .
(٢٤٢) - في تفسيره (٨/ ١٥٩).