الضمير يرجع إلى إبراهيم ﵊، وقال مجاهد في رواية أخرى له: الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر ﴿وَفِي هَذَا﴾ يعني القرآن، وعلق ابن كثير على هذا فقال: وهذا هو الصواب لأنه تعالى قال: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ ثم حثهم وأغراهم على مما جاء به الرسول صلوات الله وسلامه عليه بأنه ملة أبيهم إبراهيم الخليل، ثم ذكر منته تعالى على هذه الأمة بما نوه به من ذكرها والثناء عليها في سالف الدهر، وقديم الزمان في كتب الأنبياء يتلى على الأحبار والرهبان فقال: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي من قبل هذا القرآن ﴿وَفِي هَذَا﴾. ثم ذكر حديثًا رواه النسائي عن الحارث الأشعري عن رسول الله ﷺ قال:"من دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جُثا جهنم". قال رجل: يا رسول الله وإن صام وصلى؟ قال: لا نعم، وإن صام وصلى، فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله".
* وقد يستشكل على المرء معنى آية بجانب حديث يوهم التعارض معها فيبدد الحافظ ابن كثير هذا الإشكال بحجج قوية.
من ذلك تفسيره لقوله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية، وبين الحديث الثابت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال اليهودي في قسم يقسمه: لا والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده فلطم بها وجه اليهودي، فقال: أي خبيث؟ وعلى محمد ﷺ. فجاء اليهودي إلى النبي ﷺ فاشتكى على المسلم. فقال رسول الله ﷺ: "لا تفضلوني على الأنبياء؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشًا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبل أم جوزى بصعقة الطور، فلا تفضلوني على الأنبياء". وفي رواية: "لا تفضلوا بين الأنبياء" فالجواب من وجوه:
أحدها: أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل. وفي هذا نظر.
الثاني: أن هذا من باب الهضم والتواضع.
الثالث: أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذه الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاجر.
الرابع: لا تفضلوا بمجرد الآراء والعصبية.
الخامس: ليس مقام التفضيل إليكم، وإنما هو إلى الله ﷿، وعليكم الانقياد والتسليم له، والإيمان به".