للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجه مناسبة الباب لهذا الحديث: أن طيب الرائحة دار مع القرآن وجودًا وعدمًا، فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر. ثم قال:

حدثنا مُسَدَّد، حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر عن النبي قال: "إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالًا، فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود فقال: من يعمل لي من نصف النفير إلى العصر؟ فعملت النصارى، ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين، قالوا: نحن أكثر عملًا وأقل عطاءً! قال: هل ظلمتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من شئت" (٢٢٠).

تفرد به من هذا الوجه، ومناسبته للترجمة: أن هذه الأمة مع قصر مدتها فضلَتْ الأمم الماضية مع طول مدتها، كما قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (٢٢١).

وفي المسند والسنن عن بَهْزِ بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله : "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله" (٢٢٢). وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم الذي شرفه الله تعالى على كل كتاب أنزله، جعله مهيمنا عليه، وناسخًا له، وخاتمًا له؛ لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجمًا بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه، فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة، وأعظم الأمم المتقدمة هم اليهود والنصارى، فاليهود استعملهم الله من لدن موسى إلى زمان عيسى، والنصارى من ثمّ إلى أن بعث محمد ، ثم استعمل أمته إلى قيام الساعة، وهو المشبه بآخر النهار، وأعطى الله المتقدمين قيراطًا قيراطًا، وأعطى هؤلاء قيراطين قيراطين، ضعفى ما أعطى أولئك، فقالوا: أي ربنا، ما لنا أكثر عملًا وأقل أجرًا؟ فقال: هل


= باب: في مثل المؤمن القارئ للقرآن برقم (٢٨٦٥)، والنسائي في الإيمان، باب: مثل الذي يقرأ القرآن … (٨/ ١٢٤، ١٢٥)، وابن ماجة في المقدمة برقم (٢١٤).
(٢٢٠) - صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: فضل القرآن على سائر الكلام، برقم (٥٠٢١).
(٢٢١) -[آل عمران: ١١٠].
(٢٢٢) - المسند ٢٠٠٦٥ - (٤/ ٤٤٧)، وحديث ٢٠٠٧٤ - (٥/ ٣)، وأخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة آل عمران، حديث (٣٠٠١)، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب: صفة أمة محمد، ، حديث (٤٢٨٧ - ٤٢٨٨)، والدارمي في كتاب الرقاق، باب: في قول النبي، : "أنتم خير الأمم" حديث (٢٧٦٣)، (٢/ ٢٢١)، والطبراني في "الكبير" برقم (١٠٢٣ - ١٠٢٤ - ١٠٢٥)، (١٩/ ٤٢٢ - ٤٢٣)، والحاكم وصححه (٤/ ٨٤)، وابن الجوزي في الموضعات (١/ ٣٠)، وقال الترمذي: حسن.