للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنتم أهدى منه وممن اتبعه. فأنزل الله ﷿: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (٥١) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ إلى قوله ﷿: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾.

وهذا لعن [١] لهم، وإخبار [٢] بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين، وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم، وقد أجابوهم وجاءوا معهم يوم الأحزاب، حتى حفر النبي صلى الله عليه: سلم وأصحابه حول المدينة الخندق، فكفى الله شرهم ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾.

﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (٥٥)

يقول تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ﴾ وهذا استفهام إنكار، أي: ليس لهم نصيب من الملك، ثم وصفهم بالبخل، فقال: ﴿فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ أي؛ لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك والتصرف لا أعطوا أحدًا من الناس، ولا سيما محمدًا شيئًا ولا ما يملأ النقير، وهو النقطة التي في النواة، في قول ابن عباس والأكثرين.

وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي [٣] إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ﴾ أي: خوف [٤] أن يذهب ما بأيديكم، مع أنه لا يتصور نفاذه، وإنما هو من بخلكم وشحكم. ولهذا قال تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ أي: بخيلًا.

ثم قال: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ يعني: بذلك حسدهم النبي على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له؛ لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل.


[١]- في ز: "لعنًا".
[٢]- في ز: "وإخبارًا".
[٣]- في ز: "ربك".
[٤]- في ز: "خوفا".