للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال حماد بن سلمة: عن حجاج بن أرطأة، عن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر قال: إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف وليقرأ (٢٨٨).

وقال الأعمش عن خَيثَمة: دخلت على ابن عمر وهو يقرأ في المصحف، فقال: هذا جزئي الذي أقرأ به الليلة (٢٨٩).

فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا يعطل المصحف فلا يقرأ منه، ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه، أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم أو تأخير، فالاستثبات أولى، والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال، فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن؛ لأن الكتابة لا تدل على كمال الأداء، كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه، وإذا أدى الحال إلى هذا منع منه إذا وجد شيخا يوقفه على لفظ القرآن، فأما عند العجز عمن يلقن فلا كلف الله نفسًا إلا وسعها، فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية، فإذا قرأ في المصحف -والحالة هذه- فلا حرج عليه، ولو فرض أنه قد يحرف بعض الكلمات عن لفظها على لغته ولفظه، فقد قال الإِمام أبو عبيد:

حدثنا هشام بن إسماعيل الدمشقي، عن محمَّد بن شعيب، عن الأوزاعي؛ أن رجلًا صحبهم في سفر قال: فحدثنا حديثًا ما أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله قال: "إن العبد إذا قرأ فحرف أو أخطأ كتبه الملك كما أنزل" (٢٩٠).

وحدثنا حفص بن غياث، عن الشيباني، عن بكير بن الأخنس قال: كان يقال: إذا قرأ الأعجمي والذي لا يقيم القرآن كتبه الملك كما أنزل. وقال بعض العلماء: المدار في هذه المسألة على الخشوع في القراءة، فإن كان الخشوع عند القراءة على ظهر القلب فهو أفضل، وإن كان عند النظر في المصحف فهو أفضل فإن استويا فالقراءة نظرا أولى؛ لأنها أثبت وتمتاز بالنظر في المصحف، قال الشيخ أبو زكريا النووي، ، في "التبيان": والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.

تنبيه:

إن كان البخاري، ، أراد بذكر حديث سهل الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل منها في المصحف، ففيه نظر؛ لأنها قضية عين، فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتابة ويعلم ذلك رسول الله منه، فلا يدل على أن التلاوة عن ظهر


(٢٨٨) - فضائل القرآن (ص ١٠٥)، وحجاج، وثوير ضعيفان.
(٢٨٩) - فضائل القرآن (ص ١٠٥)، ورواه ابن أبي شيبة (١٠/ ٥٣٠، ٥٣١).
(٢٩٠) - فضائل القرآن (ص ١٠٦)، وسنده ضعيف لإعضاله.