وصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه، وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك، وسلم لهم طوائف من [١] النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم، ما عدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه، وأما الباقون فإنهم طنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب وبكت، ويقال: إنه خاطبها، والله أعلم.
وهذا كله من امتحان الله عباده؛ لما له في ذلك من الحكمة البالغة، وقد وضَّحَ [٢] الله الأمر وجلاه وبينه وأظهره في القرآن العظيم الذي نزله [٣] على رسوله الكريم المؤيد بالمعجزات والبينات والدلائل الواضحات، فقال تعالى وهو أصدق القائلين، وهو [٤] رب العالمين المطلع على السرائر والضمائر الذي يعلم السر في السموات والأرض، العالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف [كان][٥] يكون -: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ أي: رأوا شبهه فظنوه إياه، ولهذا قال: ﴿وإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ يعني بذلك من ادعى قتله من اليهود، ومن سلمه اليهم [٦] من جهال النصارى، كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسعر، ولهذا قال: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ أي: وما قتلوه متيقنين أنه هو، بل شاكين متوهمين ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ أي: منيع الجناب، لا برام جنابه، ولا يضام من لاذ ببابه ﴿حَكِيمًا﴾ أي: فى جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور التي يخلقها، وله الحكمة [٧] البالغة والحجة الدامغة والسلطان العظيم والأمر القديم.
قال ابن أبي حاتم (٩١٠): حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما أراد الله [٨] أن يرفع
(٩١٠) - رواه ابن أبى حاتم فى (٤/ ١١١٠) (٦٢٣٣)، ورواه النسائى فى تفسيره (٦١١) قال: حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو معاوية … فذكره، ورواه ابن جرير الطبرى فى تفسيره أيضًا (١٤/ ٩٢) عند تفسير الآية (١٤) من سورة الصف فقال: حدثنى أبو السائب قال حدثنا أبو معاوية … فذكر الخبر وقد نقله ابن كثير فى هذا التفسير المبارك عن هذا الموضع من تفسير الطبرى فى تفسير الآية المشار إليها =