للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك [١]، وإنما كذلك شبه لهم فقتلوا الشبيه وهم لا يتبينون ذلك، ثم إنه رفعه إليه، وإنه باق حيٌّ، وإنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة التي سنوردها إن شاء الله قريبا، فيقتل مسيح [٢] الضلالة ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، يعني: لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة: أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ، ولا يتخلَّفَ [٣] عن التصديق به واحد منهم؛ ولهذا قال: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ أي. قبل موت عيسى ، الذي زعم اليهود ومن وافقهم من النصارى أنه قتل وصلب. ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ أي: بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء، وبعد نزوله إلى الأرض.

فأما من فسر هذه الآية بأن المعنى: أن كل كتابي لا يموت حتى يؤمن بعيسى أو بمحمد، عليهما الصلاة والسلام، فهذا هو الواقع، وذلك أن كل أحد عند احتضاره ينجلي له ما كان جاهلًا به؛ فيؤمن به، ولكن لا يكون ذلك إيمانا نافعًا له إذا كان قد شاهد الملك، كما قال تعالى في أوّل [٤] هذه السورة: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾. وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ الآية، وهذا يدل على ضعف ما احتج به ابن جرير في ردّ هذا القول حيث قال: ولو كان المراد بهذه الآية هذا لكان كل من آمن بمحمد أو بالمسيح ممن كفر بهما يكون على دينهما، وحينئذ لا يرثه أقرباؤه من أهل دينه، [لأنه قد] [٥] أخبر الصادق أنه يؤمن به قبل موته، فهذا ليس بجيد إذ لا يلزم من إيمانه في حالة لا ينفعه إيمانه أنه يصير بذلك مسلمًا، ألا ترى إلى [٦] قول ابن عباس: ولو تردّى من شاهق، أو ضرب بسيف، أو افترسه سبع، فإنه لابد أن يؤمن بعيسى، فالإِيمان به [٧] في [مثل] [٨] هذه الحالات [٩] ليس بنافع ولا ينقل صاحبه عن كفره لما قدّمناه، والله أعلم.


[١]- سقط من خ.
[٢]- في ز: "المسيح".
[٣]- في خ: "يختلف".
[٤]- سقط من: ز.
[٥]- ما بين المعكوفتين في ز: "كونه".
[٦]- سقط من: ت.
[٧]- سقط من: ز.
[٨]- ما بين المعكوفتين سقط من خ.
[٩]- في ت: "الحال".