يقول تعالى منكرًا على من عبد غيره من الأصنام والأنداد والأوثان، ومبينًا له أنها لا تستحق شيئًا من الإِلهية: ﴿قُلْ﴾ أي: يا محمد لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بني آدم، ودخل في ذَلك النصارى وغيرهم ﴿أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾ أي: لا يقدر على إيصال ضر [١] إليكم، ولا إيجاد نفع ﴿وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي: فلم عدلتم عن إفراد السميع لأقوال عباده، العليم بكل شيء، [فلم عدلتم عنه][٢] إلى عبادة جماد لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئًا، ولا يملك ضرًّا ولا نفعًا لغيره ولا لنفسه.
ثم قال: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ أي: لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق، ولا تطروا من أمرتم بتعظيمه، فتبالغوا فيه حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الإِلهية، كما صنعتم في المسيح و [٣] هو نبي من الأنبياء، فجعلتموه إلهًا من دون الله، وما ذاكَ إلا لاقتدائكم بشيوخ الضلال الذين هم سلفكم ممن ضل قديمًا ﴿وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ أي: وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال إلى طريق الغواية والضلال.
قال ابن أبى حاتم (٥٩٤): حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: وقد كان قائم قام عليهم، فأخذ بالكتاب والسنة زمانًا فأتاه [٤] الشيطان، فقال: إنما تركب أثرًا أو أمرًا قد عمل قبلك فلا تجمد عليه، ولكن ابتدع أمرًا من قبل نفسك، وادع إليه واجبر الناس عليه؛ ففعل، ثم ادّكر بعد فعله زمانًا فأراد أن يتوب منه، فخلع سلطانه وملكه وأراد أن يتعبد، فلبث في عبادته أيامًا، فأتى [٥] فقيل له: لو أنك تبت من خطيئة عملتها فيما بينك وبين ربك، عسى أن يتاب عليك، ولكن ضل فلان وفلان وفلان في سبيلك [٦]، حتى فارقوا الدنيا وهم على الضلالة، فكيف لك بهداهم فلا توبة لك
(٥٩٤) - ذكره السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٥٣٣) ولم يعزه لغير ابن أبي حاتم.