للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ببركة أعمالهم بفضله ومنته، ثم قال: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ أي: من شر.

وقوله: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ أي: اعملوا على مكانتكم [١]، إنا عاملون على ما نحن عليه، فستعرضون ونعرض عليه، وينبئنا وإياكم بأعمالنا وأعمالكم، وما كنا نختلف فيه في الدار الدنيا، كقوله: ﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾.

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)

يقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾ أي: جعلكم تعمرونها [٢] جيلًا بعد جيل، وقرنًا بعد قرن، وخلفًا بعد سلف. قاله [٣] ابن زيد وغيره، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ﴾، [وكقوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾، وقوله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾] [٤]، وقوله: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾.

وقوله: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ أي: فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق، والمحاسن والمساوئ، والمناظر والأشكال والألوان، وله الحكمة فى ذلك، كقوله تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾، وقوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾.

وقوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ أي: ليختبركم في الذي أنعم به عليكم، وامتحنكم به، ليختبر الغني في غناه ويسأله عن شكره، والفقير في فقره ويسأله عن صبره.

وقد روى مسلم في صحيحه (٤٠٧): من حديث أبي نضرة، عن أبى سعيد الخدري


(٤٠٧) - صحيح مسلم كتاب: الرقاق، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء (٩٨) (٢٧٤٢)، وأخرجه أحمد في "المسند" (٣/ ٢٢، ٤٠، ٦٨) والنسائي في "الكبرى" كتاب: عشرة النساء، باب: ما ذكر في النساء (٥/ ٩٢٦٩) وسيذكره المصنف في [سورة يونس/آية ١٤] و [سورة الكهف/آية ٨].