بالدعاء في بعض الأسفار؛ فقال لهم النبي ﷺ:"يا [١] أيها الناس؛ أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إن الذي تدعونه سميع قريب".
وقد يكون المراد من هذه الآية كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾، فإن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن سبوه، وسبوا من أنزله ومن جاء به، فأمره [٢] الله تعالى أن لا يجهر به؛ لئلا ينال منه المشركون، ولا يخافت به [٣] عن أصحابه فلا يسمعهم، وليتخذ سبيلًا بين الجهر والإِسرار، وكذا قال في هذه الآية الكريمة: ﴿وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (٢٠٥)﴾.
وقد زعم ابن جرير [٤]، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم قبله: أن المراد بهذه الآية: أمر السامع للقرآن في حال استماعه بالذكر على هذه الصفة، وهذا بعيد مناف للإِنصات المأمور به، ثم إن [٥] المراد [][٦] بذلك في الصلاة كما تقدم، أو في [٧] الصلاة والخطبة، ومعلوم أن الإِنصات إذ ذاك أفضل من الذكر [باللسان، سواء كان سرًّا أو جهرًا، فهذا الذي قالاه لم يتابعا عليه، بل المراد الحض على كثرة الذكر][٨] من العباد بالغدو والآصال؛ لئلا يكونوا من الغافلين، ولهذا مدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون؛ فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾. وإنما ذكرهم بهذا ليُتشَبَّه بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم؛ ولهذا شرع [٩] لنا السجود هاهنا لما ذكر سجودهم لله ﷿، كما جاء في الحديث (٣٣٠): " ألا تَصفّون كما تصف الملائكة [١٠] عند ربها، يُتمون الصفوف الأوَل، ويتراصون في الصف".
(٣٣٠) - أخرجه مسلم، كتاب: الصلاة، باب: الأمر بالسكون في الصلاة … (١١٩) (٤٣٠)، وأبو داود، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف (٦٦١)، والنسائي، كتاب: الإمامة، باب: حث الإمام عل رصِّ الصفوف والمقاربة بينها (٢/ ٩٢) وابن ماجه، كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: إقامة الصفوف (٩٩٢) وأحمد في "المسند" (٥/ ١٠١) من حديث جابر بن سمرة.