الوغى، وقد انكشف عنه جيشه، وهو مع هذا [١] على بغلة وليست سريعة الجري، ولا تصلح لفر ولا لكر ولا لهرب، وهو مع هذا [٢] أيضًا يركضها إلى وجوههم، وينوّه باسمه ليعرفه من لم يعرفه - صلوات الله وسلامه عليه - دائمًا إلى يوم الدين، وما هذا كله إلا ثقة بالله، وتوكل عليه، وعلمٌ منه بأنه سينصره ويتم ما أرسله به، ويظهر دينه على سائر الأديان؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ أي: طمأنينته وثباته على رسوله ﴿وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: الذين معه ﴿وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ وهم الملائكة.
كما قال الإِمام أبو جعفر بن جرير:[حدثنا القاسم قال][٣]: حدثني الحسن بن عرفة، قال: حدثني المعتمر بن سليمان، عن عوف - هو ابن أبي جميلة [٤] الأعرابي - قال: سمعت عبد الرحمن مولى ابن بُرثن، حدثني رجل كان مع [٥] المشركين يوم حنين، قال: لما [][٦] التقينا نحن وأصحاب رسول الله ﷺ يوم حنين لم يقوموا لنا حَلَبَ شاة، قال: فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء فإذا هو رسول الله ﷺ، قال: فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه، ارجعوا، قال: فانهزمنا وركبوا أكتافنا، فكانت إياها.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي (٦١): أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني محمَّد بن أحمد بن بَالُويه، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الحارث بن حصيرة، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال ابن مسعود ﵁: كنت مع رسول الله ﷺ يوم حنين، فولى عنه الناس، وبقيت معه في ثمانين رجلًا من المهاجرين والأنصار، قدمنا ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة، قال: ورسول الله ﷺ على بغلته البيضاء [٧] يمضي قُدُمًا، فحادت بغلته، فمال عن السرج، فقلت: ارتفع رفعك الله. قال:"ناولني كفًّا من التراب". فناولته، قال: فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابًا، قال:"أين المهاجرون والأنصار؟ ". قلت: هم هناك. قال:"اهتف بهم". فهتفت بهم فجاءوا، وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، وولى المشركون أدبارهم.