للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الحافظ أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن العباس، حدثنا حماد الجزري، عن زيد بن رفيع - رفعه - قال: "إن أهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانًا، ثم بكوا القيح زمانًا، قال: فتقول لهم الخزنة: يا معشر الأشقياء، تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا، هل تجدون اليوم من تستغيثون به؟ قال: فيرفعون أصواتهم: يا أهل الجنة، يا معشر الآباء والأمهات والأولاد، خرجنا من القبور عطاشًا، وكنا طول الموقف عطاشًا، ونحن اليوم عطاش، فأفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، فيدعون أربعين سنة لا يجيبهم ثم يجيبهم ﴿إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ فييأسون من كل خير".

﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (٨٣)

يقول تعالى آمرًا لرسوله، : ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ﴾ أي: ردك الله من غزوتك هذه ﴿إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ﴾ قال قتادة: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلًا ﴿فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ﴾ أي: معك إلى غزوة أخرى ﴿فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا﴾ أي: تعزيزًا لهم وعقوبة، ثم علل ذلك بقوله: ﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ وهذا كقوله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. فإن جزاء السيئة السيئة بعدها، كما أن [] [١] ثواب الحسنة الحسنة بعدها، كقوله في عمرة الحديبية: ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾.

وقوله تعالى: ﴿فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ قال ابن عباس: أي: الرجال الذين تخلفوا عن الغزاة. وقال قتادة: ﴿فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ أي: مع النساء.

قال ابن جرير (١٩٢): وهذا لا يستقيم؛ لأن جمع النساء لا يكون بالياء والنون، ولو


(١٩٢) - تفسير الطبري (١٤/ ٤٠٥).