للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال [١] ابن جريج عن ابن عباس ﴿إن إبراهيم لأواه﴾ قال: فقيه.

قال: الإِمام العَلَم أبو جعفر بن جرير (٢٧٨): وأولى الأقوال قول من قال: إنه الدَّعَّاء، وهو المناسب للسياق، وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إيّاه، وقد كان إبراهيم كثيرَ الدعاء، حليمًا عمن ظلمه وأناله مكروهًا؛ ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)﴾ فحلم عنه مع أذاه له، ودعا له واستغفر، ولهذا قال تعالى: ﴿إن إبراهيم لأواه حليم﴾.

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١١٦)

يقول تعالى مخبرًا عن نفسه الكريمة وحكمه [٢] العادل: إنه لا يضل قومًا [إلا] بعد بلاغ الرسالة [إليهم] [٣]، حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة، كما قال تعالى: ﴿وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى﴾ الآية.

وقال مجاهد في قوله تعالى: ﴿وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون﴾. قال: بيان الله ﷿ للمؤمنين [٤] في ترك [٥] الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه [لهم في] [٦] [طاعته ومعصيته] عامة، فافعلوا أو ذروا.

وقال ابن جرير: يقول الله تعالى: وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال، بعد إذ رزقكم الهداية، ووفقكم للإِيمان به وبرسوله، حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا، فأمّا قبل أن يبين لكم كراهته ذلك بالنهي عنه، [ثم تتعدوا] [٧] نهيه إلى ما نهاكم عنه؛ فإنه لا يحكم عليكم بالضلال؛ فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي، فأما [٨] من لم يؤمر، ولم ينه فغير كائن [] مطيعًا [كان] [٩] أو عاصيًا


(٢٧٨) - تفسير الطبري (١٤/ ٥٣٢).