للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (٩٢)

يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنودَه؛ فإن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر صحبة موسى وهم - فيما قيل - ستمائة ألف مقاتل سوى الذرية، وقد كانوا استعاروا من القبط حُليًّا كثيرًا فخرجوا به معهم، فاشتد حنق فرعون عليهم، فأرسل في المدائن حاشرين، يجمعون له جنوده من أقاليمه، فركب وراءهم في أبهة عظيمة وجيوش هائلة لما يريده الله تعالى بهم، ولم يتخلف عنه أحد ممن له دولة وسلطان في سائر مملكته، فلحقوهم وقت شروق الشمس ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ وذلك أنهم لما انتهوا إلى ساحل البحر، [وفرعون وراءهم] [١]، ولم يبق إلا أن يتقاتل الجمعان، وألح أصحاب موسى في السؤال: كيف المخلص مما نحن فيه؟ فيقول: إنى أمرت أن أسلك هاهنا ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ فعندما ضاق الأمر اتسع، فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فانفلق البحر ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ أي: كالجبل العظيم، وصار اثني عشر طريقًا لكل سبط واحد، وأمر الله الريحَ فنشفت أرضَه ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾. وتخرق الماء بين الطرق كهيئة الشبابيك؛ ليرى كل قوم الآخرين لئلا يظنوا أنهم هلكوا، وجاوزت بنو إسرائيل البحر، فلما خرج آخرهم منه، انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى، وهو في مائة ألف أدهم سوى بقية الألوان، فلما رأى ذلك هاله وأحجم وهاب، وهَمَّ بالرجوع وهيهات ولات حين مناص، نفذ القدر، [واستجيبت الدعوة] [٢]، وجاء جبريل على فرس وديق (*) حائل، فمر إلى جانب حصان فرعون فحمحم إليها، [وتقدم جبريل فاقتحم البحر ودخله، فاقتحم الحصان] [٣] وراءه، ولم يبق فرعون يملك من نفسه شيئًا، فتجلد لأمرائه وقال لهم: ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منَّا، فاقتحموا كلهم عن آخرهم، وميكائيل في ساقتهم لا يترك [منهم أحدًا] إلا ألحقه [٤] بهم، فلما استوسقوا فيه وتكاملوا، وهَمَّ أولهم بالخروج منه، أمر الله القديرُ البحرَ أن يرتطم عليهم، فارتطم عليهم فلم ينج منهم أحد، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم، وتراكمت الأمواج فوق فرعون وغشيته سكرات الموت، فقال وهو كذلك:


(*) - الوديق: هي التي تشتهي الفحل، والحائل: غير الحامل.