قال مجاهد وقتادة: البروج ها هنا هي الكواكب (قلت): وهذ! كقوله ﵎: ﴿تبارك الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا﴾. ومنهم من قال: البروج هي منازل الشمس والقمر.
وقال عطية العوفي: البروج هاهنا هي قصور الحرس.
وجعل الشهب حرسًا لها من مردة الشياطين؛ لئلا يَسَّمَّعوا [١] إلى الملأ الأعلى. فمن تمرد وتقدم [٢] منهم لاستراق [٣] السمع جاءه [شهاب مبين][٤] فأتلفه، فربما يكون قد ألقى الكلمة التي سمعها قبل أن يدركه الشهاب إلى الذي هو دونه، فيأخذها الآخر ويأتي بها إلى وليه، كما جاء مصرحًا به في الصحيح كما قال البخاري في تفسير هذه الآية (٨):
حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي ﷺ قال:"إذا قضى الله الأمر في السماء، [][٥] ضَرَبَت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كالسلسة على صفوان". قال علي. وقال غيره [٦]: "صفوان ينفذُهُم ذلك. فإذا فُزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحقَّ وهو العلي الكبير. فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا واحدٌ فوق الآخر [٧]- ووصف سفيان [٨] بيده وفرّج بين أصابع يده اليمنى، نَصَبَها بعضَها فوق بعض- فربما أدرك الشهابُ المستمعَ قبل أن يرمِيَ [٩] بها إلى صاحبه فيُحرِقَه، وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه، [إلى الذي][١٠] هو أسفل منه، حتى يلقوها إلى الأرض -وربما قال سفيان: حتى تنتهي إلى الأرض- فتلقى [١١] على فم الساحر أو الكاهن، فيكذب معها مائة كذبة، فَيَصدُقُ، فيقولون: ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقًّا؟ للكلمة التي سمعت من السماء".
ثم ذكر تعالى خلقه الأرض ومده إياها، وتوسيعها [١٢] وبسطها، وما جعل فيها من الجبال الرواسي، والأودية والأراضي والرمال، وما أنبت فيها من الزروع والثمار المتناسبة.
(٨) - صحيح البخاري كتاب: التفسير، باب: "إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين" (٤٧٠١)، وأخرجه أبو داود، كتاب: الحروف والقراءات (٣٩٨٩)، والترمذي، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة سبأ (٣٢٢١)، وابن ماجة في المقدمة (١٩٤) مختصرًا ومطولًا.