للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشرع في التشكل [١] والتخطيط، فيصور منها رأس ويدان، وصدر وبطن، وفخذان ورجلان، وسائر الأعضاء. فتارة تسقطها المرأة قبل التشكل [٢] والتخطيط، وتارة تلقيها وقد صارت ذات شكل وتخطيط، ولهذا قال تعالى: ﴿ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيرِ مُخَلَّقَةٍ﴾. أي: كما تشاهدونها، ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾. أي: وتارة تستقر في الرحم لا تلقيها المرأة ولا تسقطها، كما قال مجاهد في قوله تعالى: ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيرِ مُخَلَّقَةٍ﴾.

قال: هو [٣] السقط [٤] مخلوق وغير مخلوق، فإذا مضى عليها أربعون يومًا وهي مضغة، أرسل الله تعالى إليها ملكًا فنفخ فيها الروح، وسواها كما يشاء الله ﷿ من حسن وقبيح [٥]، وذكر وأنثى، وكتب رزقها وأجلها، وشقي أو سعيد، كما ثبت في الصحيحين (١٤) من حديث الأعمش، عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود؛ قال: حدثنا رسول الله، ، وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات؛ بكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح.

وروى ابن أبي حاتم وابن جرير (١٥) من حديث داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله؛ قال: النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها [٦] مَلَك بكفه، قال: يا رب، مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قيل: غير مخلقة. لم تكن نَسَمة، وقذفتها الأرحام دمًا، وإن قيل: مخلقة. قال: أي رب، ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد، ما الأجل؟ وما الأثر؟ وبأيّ أرض يموت؟ قال: فيقال للنطفة: من ربك؟ فتقول: الله. فيقال: من رازقك؟ فتقول: الله. فيقال له: اذهب إلى أم [٧] الكتاب، فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة. قال: فتخلق فتعيش في أجلها، وتأكل رزقها، وتطأ [٨] أثرها، حتى إذا جاء أجلها ماتت فدفنت في ذلك المكان [٩]. ثم تلا عامر الشعبي: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيبٍ


(١٤) - تقدم في تفسير سورة مريم.
(١٥) - أخرجه ابن جرير في تفسيره (١٠/ ١١٧).