للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (٢٢) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤)

يقول تعالى مخبرًا عن تَعَنُّت الكفار في كفرهم، وعنادهم في قولهم: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَينَا الْمَلَائِكَةُ﴾، أي: بالرسالة كما نُزّل على الأنبياء، كما أخبر عنهم تعالى في الآية الأخرى: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ يحتمل أن يكون مرادهم ها هنا: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَينَا الْمَلَائِكَةُ﴾ فنراهم عيانًا، فيخبرونا أن محمدًا رسول الله، كقولهم: ﴿أَوْ [١] تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا﴾، وقد تقدم تفسيرها في سورة سبحان؛ ولهذا قال [٢]: ﴿أَوْ نَرَى رَبَّنَا﴾، ولهذا قال الله تعالى: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾. وقد قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيهِمْ كُلَّ شَيءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾.

وقوله: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾، أي: هم لا يرون الملائكة في يوم خير لهم، بل يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ لهم، وذلك يصدق على وقت الاحتضار، حين تبشرهم الملائكة بالنار، وغضب الجبار، فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه: اخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد. الخبيث، اخرجي إلى سموم وحميم، وظل من يحموم. فتأبى الخروج وتتفرق في البدن، فيضربونه، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾، وقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيدِيهِمْ﴾، أي: بالضرب، ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾؛ ولهذا قال في هذه الآية الكريمة: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾، وهذا بخلاف حال المؤمنين في وقت احتضارهم، فإنهم يبشرون بالخيرات، وحصول المسرات. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب: أن الملائكة تقول لروح المؤمن: "اخرجي أيتها النفس


[١]- في ت: "حتى".
[٢]- في ت: "قالوا".