للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جارك". قال سفيان: وهو قوله: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ﴾.

وقوله: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: ﴿أَثَامًا﴾ وادٍ في جهنم. وقال عكرمة: ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾، أودية في جهنم يعذب فيها الزناة. وكذا روي عن سعيد بن جبير ومجاهد. وقال قتادة: ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ نكالًا، كنا نحدث أنه وادٍ في جهنم.

وقد ذُكر لنا أن لقمان كان يقول: يا بني، إياك والزنا! فإن أوله مخافة، وآخره ندامة.

وقد ورد [١] في الحديث الذي رواه ابن جرير وغيره (٣٤)، عن أبي أمامة الباهلي -موقوفًا ومرفوعًا-: أن ﴿غَيًّا﴾ و ﴿أَثَامًا﴾ بئران في قعر جهنم. أجارنا الله منها بمنه وكرمه!

وقال السدى ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ جزاء [٢]. وهذا أشبه بظاهر الآية، ولهذا فسره بما بعده مبدلًا منه، وهو قوله: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أي: يكرر عليه ويغلظ ﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾. أي: حقيرًا ذليلًا.

وقوله: ﴿إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾، أي: جزاؤه على ما فعل من هذه الصفات القبيحة ما ذكر ﴿إلا مَنْ تَابَ﴾ في الدنيا إلى الله من جميع ذلك، فإن الله توب عليه.

وفي ذلك دلالة على صحة توبة القاتل، ولا تعارض بين هذه وبين آية النساء: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ فإن هذه وإن كانت مدنية إلا أنها مطلقة، فتحمل على من لم يتب؛ لأن هذه مقيدة بالتوبة، ثم قد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ وقد ثبتت السنة الصحيحة، عن رسول الله، ، بصحة توبة القاتل، كما ذكر مقررًا من قصة الذي قتل مائة رجل ثم تاب، وقبل منه، وغير ذلك من الأحاديث.

وقوله: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾. في معنى قوله: ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ قولان: أحدهما: إنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ قال: هم المؤمنون، كانوا من قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن [ذلك] [٣] فحولهم إلى الحسنات، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات.


(٣٤) تفسير الطبري (١٩/ ٢٩).