للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾، قال: "أنتم".

رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من رواية ابن إسحاق (٣٥).

وقد روى ابن أبي حاتم أيضًا، عن أبي سعيد الأشجّ، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي الحسن مولى بني [١] نوفل: أن حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة أتيا رسول الله، ، حين نزلت ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ يبكيان، فقال رسول الله، ، وهو يقرؤها عليهما: " ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾، حتى بلغ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، قال: أنتم" (٣٦).

وقال أيضًا: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن عروة قال: لما نزلت: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ إلى قوله: ﴿يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾، قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله؛ قد علم الله أني منهم. فأنزل الله ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ إلى قوله: ﴿ينقلبون﴾.

وهكذا قال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وزيد بن أسلم، وغير واحد: إن هذا استثناء مما تقدم. ولا شك أنه استثناء، ولكن هذه السورة مكية، فكيف يكون سبب نزول هذه الآية في شعراء الأنصار؟ في ذلك نظر، ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها، والله أعلم.

ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم، حتى يدخل فيه من كان متلبسًا من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله، ثم تاب وأناب، ورجع وأقلع، وعمل صالحًا، وذكر الله كثيرًا في مقابلة ما تقدم من الكلام السَّييء، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وامتدح الإِسلام وأهله في مقابلة ما كذب بذمه، كما قال عبد الله بن الزِّبَعْرَى حين أسلم.

يَا رَسُول الملَيك، إنّ لسَاني … رَاتِقٌ مَا فَتَقْتُ إذْ أنَا بُورُ

إذْ أجَارِي الشيطانَ في سنَن الغَـ … ـيِّ ومَن مَال مَيلَه مَثْبُورُ

وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، كان من أشد الناس عداوة للنبي وهو ابن عمه، وأكثرهم له هجوًّا، فلما أسلم لم يكن أحد أحبّ إليه من رسول الله، ، وكان يمدح رسول الله بعد ما كان يهجوه، ويتولاه بعد ما كان قد عاداه.


(٣٥) تفسير الطبري (١٩/ ٧٩).
(٣٦) ورواه الحاكم في المستدرك (٣/ ٤٨٨) من طريق أبي أسامة به.